«الإفتاء» توضح حكم الكتابة على العملات الورقية

كتب: سحر عزازى

«الإفتاء» توضح حكم الكتابة على العملات الورقية

«الإفتاء» توضح حكم الكتابة على العملات الورقية

أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال ورد لها من أحد المواطنين يقول «ما حكم الكتابة على العملة؟»، واستكمل السائل رسالته: «دار نقاشٌ بيني وبين أحد أصدقائي أثناء كتابته لبعض العبارات التذكارية على العملات الورقية الرسمية؛ حيث يرى أَنّ ذلك ليس ممنوعًا فهل ما قاله صديقي صحيحٌ؟».

وذكرت دار الإفتاء: «لا ينبغي شرعًا الكتابة على العملات النقديَّة الورقيَّة الرسميَّة؛ لما في ذلك من تشويهٍ للعملةِ وإتلافٍ لها بالكتابةِ عليها أو الرَّسْم، ونحوهما، وهذا الفعل كما هو مُحرَّمٌ شرعًا هو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا».

حكم الكتابة على العملات الورقية

وأضافت الدار، أولت الشَّريعة اهتمامًا بالغًا بالمال وجعلت حفظه مقصدًا من مقاصدها الضروريَّة الكبرى. ينظر: «المستصفى» للإمام الغزالي (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية)؛ وذلك لأنَّه سبب المعاش وبه قيام حياة النَّاس، فبانضباطه تنضبط أحوالهم وباختلاله تختل معايشهم؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5]؛ قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 31، ط. دار الكتب المصرية): [أي: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تَصْلُحُ بها أموركم] اهـ.

وأشارت إلى أنّ حفظ الأموال كما يحصل بحمايتها من الهدر والتَّلف وصيانتها عن الضياع والسَّرف يحصل أيضًا بتنميتها بالاكتساب وزيادتها بالإنتاج؛ قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].

وتابعت، فَمَنْعُ الشرع الشريف من إضاعة المال أو هدره أو إتلافه وعدم صونه أو الإفساد فيه جاءَ لكمال عنايته به؛ قال الإمام ابن قدامة في «المغني» (4/ 204، ط. مكتبة القاهرة): [إضاعة المال منهيٌّ عنها، وإتلافه محرَّم] اهـ، والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ».

وأوضحت أنّ المال إمَّا أن يكون مملوكًا ملكيَّة خاصَّة أو ملكيَّة عامَّة؛ فأمَّا الملكيَّة الخاصَّة فهي التي تتعلق بالأفراد والأشخاص، وأمَّا الملكيَّة العامَّة فهي التي تتعلق بمجموع أفراد المجتمع؛ بحيث ينتفع بها الجميع، وكلا النوعين له حرمته؛ لأنَّ الأصل في الأموال العصمة. ينظر «الذخيرة» للإمام القرافي (6/ 327، ط. دار الغرب الإسلامي).

وظائف العملات الورقية

وأكدت دار الإفتاء، أنّ النقود الورقيَّة شهدت تطورًا كبيرًا منذ نشأتها حتى أصبحت ورقة قانونيَّة إلزاميَّة تصدرها البنوك المركزيَّة، وتضمنها الدول، وأصبح لها وظائف أساسيَّة وأدبيَّة؛ فأمَّا وظائفها الأساسيَّة فمنها: أنَّها وسيط تبادل مقبول لدى الجميع؛ لما لها من قوة شرائيَّة وادخاريَّة، ومعياريَّة حسابيَّة تُقَوَّم بها الأشياء. وأمَّا وظائفها الأدبيَّة فمنها: أنَّها تحمل غالبًا الهُويَّة الثقافيَّة والحضاريَّة للدول المُصْدِرَة لها، كما أنَّها تُعبِّر عن استقلالها وسيادتها. ينظر: «مقدمة في البنوك والنقود» للأستاذ الدكتور محمد زكي شافعي (ص: 15، ط. دار النهضة العربيَّة) و«النقود والبنوك والعلاقات الاقتصاديَّة الدوليَّة» للأستاذ الدكتور صبحي قريعة ومدحت العقاد (215، ط. دار النهضة العربيَّة) و«النقود والبنوك» للأستاذ الدكتور محمد أحمد الأفندي (ص: 56، ط. جامعة العلوم والتكنولوجيا).

وأوضحت أنّ النقود الورقيَّة يجب أن تحفظ وتصان؛ لكونها مالًا أوجب الشرع حفظه ونهى عن الإفساد فيه، إضافة لكون تيسير التبادل هو الغرض الأساس من إنتاجها، وهو التي تتحمل من أجله الدول التكلفة الكبيرة لطباعتها وإصدارها؛ حيث تستحوذ تكلفة طباعة واصدار النقود في مصر على 11.38% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. ينظر: «تقرير البنك المركزي المصري الصادر في 2022م، والمنشور بالصحف العامَّة».

الكتابة على العملات الورقية

وتابعت أنّ الكتابة على العملات الورقيَّة يُقصَد بها: العبارات أو الرسوم أو الرموز التي يكتبها عامَّة الناس على فئات النقد الورقيَّة -البنكنوت- سواء كان ذلك بخط اليد، أو بطبع أختام بأي صورة. ينظر: «ظاهرة الكتابة على العملة الورقية» للدكتور على المكاوي (ص: 15، كلية الآداب-جامعة القاهرة، سنة 1991م)، وهذا هو المفهوم من المادة رقم (59) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم (194) لسنة 2020م.

حكم الكتابة على العملات الورقية

الكتابة على العملات النقديَّة الورقيَّة -بهذا الوصف السابق- تشويه لها وإتلاف؛ لأنَّها تؤثر سَلْبًا على الغرض الذي طُبعت من أجله وهو تيسير التبادل، وهو ما يدعو البنك المركزي إلى جمعها وإعدامها وطباعة غيرها بدلًا عنها، ولا تخفى التكلفة الباهظة التي تتكبدها الدولة في سبيل ذلك، وكذلك فإنَّ الكتابة على العملة الورقيَّة صورة من صور الاعتداء على المال العامِّ والاعتداء على المصلحة العامَّة، وهو فسادٌ عظيمٌ وجُرمٌ كبيرٌ لا ينبغي المصير إليه؛ لعموم ضرره بالمجتمع؛ فقد أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» عن خولة الأنصارية رضي الله عنها أنَّها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ».

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّه لا ينبغي شرعًا الكتابة على العملات النقديَّة الورقيَّة الرسميَّة؛ لما في ذلك من إتلافٍ للعملةِ بالكتابةِ عليها أو الرَّسْم، ونحوهما؛ مما يُعدّ تشويهًا لها وإتلافًا وإهانةً، فهو من صورِ إتلاف المال التي لا تنبغي شرعًا، وهي أيضًا فِعْلة مُجَرَّمة قانونًا، والله سبحانه وتعالى أعلم.


مواضيع متعلقة