ما لا يقال عن اللاجئين والنازحين

يعرف العالم العربي أزمات اللجوء والنزوح منذ الأربعينيات من القرن الفائت، حين نشأت أزمة هجرة الفلسطينيين ونزوحهم؛ وهي الأزمة التي ظلت عنواناً لمأساة إنسانية، جسدت معاناة الملايين منهم.

ومع مطلع العقد الحالي، نشأت أزمات لجوء ونزوح عربية جديدة، بدأت أبعادها تتخذ مسارات أكثر حدة ومأساوية، حينما اندلعت الانتفاضات في بلدان عربية مثل سوريا، واليمن، وليبيا، إضافة إلى العراق، الذي بدأت قضايا النزوح واللجوء في الهيمنة على أخباره، مع الغزو الأميركي في العام 2003، وصولاً إلى ظهور "داعش"، وانخراط العراق في صراع دموي، أنتج موجات جديدة من المهاجرين والنازحين، في ظل أوضاع أمنية غاية في الخطورة.

واليوم يطرح السودان الشقيق أزمة لاجئين ونازحين جديدة، وهي الأزمة التي نال مصر منها نصيب كبير، بحكم عدد من الاعتبارات المتصلة بالاتصال الجغرافي بين البلدين، والتواصل الشعبي والوجداني التاريخي، الذي تشده أواصر أخوية عميقة.

وتظل الأزمة السورية هي الأكثر إنتاجاً لموجات النازحين واللاجئين والمهاجرين، بسبب الاضطرابات الأمنية والعسكرية فيها، وزيادة نطاق العنف، وعدم التوصل إلى تسوية تنتج أوضاعاً مستقرة بما يكفي لعودة المهاجرين.

وكما تؤكد مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فإن تركيز وسائل الإعلام على أزمات اللاجئين يؤدي إلى زيادة اهتمام المجتمع المدني والمؤسسات بالإسهام في الاستجابة لتلك الأزمات والتفاعل معها.

ويشير ذلك إلى أن قيام وسائل الإعلام بدورها في عرض مشكلات اللاجئين، وتسليط الضوء على معاناتهم، يعزز إمكانية توفير فرص المساعدة المقدمة لهم من الجهات المعنية.وتبرهن المفوضية على ذلك بأن بعض الدراسات والأبحاث أثبتت أن "التغطية الإعلامية لضحايا كوسوفو، والأزمة الشيشانية، حركت مشاعر قوية، وأظهرت تعاطفاً في تركيا، وكانت حافزاً لتنفيذ برنامج مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين".

ويعتقد باحثون ومتابعون للشأن الإعلامي والتغطية الإعلامية للأزمات الإنسانية في المنطقة العربية، أن الإعلام لا يكرس مساحة مناسبة لتغطية أوضاع اللاجئين عموماً، كما أن قضايا النساء اللاجئات والنازحات تستحوذ على نسب اهتمام أكبر عادة.وينتقد هؤلاء الطريقة التي يتم تقديم المرأة بها خلال تغطية تلك الصراعات، معتبرين أن بعض التغطيات الإعلامية "تشوه الواقع المعيش للغالبية العظمى من النساء اللاجئات والنازحات، إذ يتم إظهارهن كضحايا سلبيات للحرب، من دون أي دور فاعل في الأحداث".

إن تسليط الضوء على معاناة النساء المختلفة من النزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية وعمليات القمع والانتهاك يساهم في حشد الرأي العام لدعم عمليات التعويض والإغاثة وجبر الضرر، لكن تنميط صورة المرأة، وإظهارها غالباً في دور الفريسة والضحية السلبية، أمر يؤدي إلى تداعيات وخيمة.

وتثور مخاوف حقيقية من تركيز وسائل الإعلام المفرط والمبالغ فيه أحياناً على الاستهداف الجنسي للمرأة اللاجئة والنازحة، أو الأنشطة المثيرة للجدل التي تُنسب لها، في سياق التغطيات.

وترصد مراكز بحثية وحقوقية الكثير من العناوين "المُسفة" في وسائل الإعلام بخصوص أوضاع المرأة النازحة واللاجئة، تقدمها خلالها على أنها "هدف جنسي" أو "سلعة تباع وتشترى"؛ وهي للأسف تغطيات تحظى بمتابعات كبيرة على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.

وبينما يعول البعض على تلك الوسائط النافذة الجديدة في تعزيز قضايا اللاجئين والحث على تقديم المساعدة لهم، فإن تفاعلات كثيفة تستهدفهم عبرها، وتدعو إلى طردهم من مناطق اللجوء، أو تحض على ممارسة العنف والإقصاء ضدهم.وتستند معظم تلك التفاعلات إلى "مصادر مجهلة"، أو تختلق وقائع، أو تشوه حقائق، أو "تفبرك" روايات.

تخلق تلك الأنماط من التغطية إشكاليات كبيرة يجب مقاربتها بحثياً، وعلى رأس تلك الإشكاليات بالطبع كيفية الموازنة بين تكثيف تغطية أوضاع اللاجئات والنازحات، في سياق أزمات اللجوء، من جانب، وعدم التورط في استغلالهن لأهداف إثارية، خصوصاً في ظل ميل الجمهور لمتابعة الأخبار التي تتعلق بالانتهاكات الجنسية وإساءة معاملة النساء، من جانب آخر.

ومن بين أهم العيوب التي تعتري التغطية الإعلامية العربية لشئون اللاجئين والنازحين أن تلك التغطية يتم توظيفها سياسياً لمصلحة القوى المهيمنة على وسائل الإعلام.تقوم بعض وسائل الإعلام العربية بتغطيات تخدم صورة الأنظمة الحاكمة، بأكثر مما تراعي القواعد المهنية، أو تخدم قضية اللاجئين.

ويتم توظيف التغطيات الإعلامية سياسياً في أغلب الأحيان، عبر التركيز على الضغوط التي تعانيها الدول المستضيفة، أو الجهود التي تبذلها سلطاتها من أجل رعاية اللاجئين، دون أن تبرز معاناة اللاجئين أنفسهم.

وأظهرت بعض الدراسات العلمية أن أصوات اللاجئين أنفسهم لا تظهر سوى بنسبة 9% من إجمالي التغطيات التي تخص معاناتهم، في وقت تظهر أصوات فاعلين سياسيين آخرين بنسب أكبر.

كما أن معظم التغطيات الإعلامية العربية لتلك الظاهرة يعتمد على مصادر أجنبية بأكثر مما يعتمد على المصادر الذاتية لوسائل الإعلام العربية.لقد أصبح العالم العربي من أكبر مصادر للنازحين واللاجئين في العالم للأسف الشديد، ومع ذلك، فإن التغطية الإعلامية العربية لتلك القضية تظل أقل مما يجب، وأكثر اعتماداً على المصادر الأجنبية، وأكثر عرضة للتوظيف السياسي.

كما أن كثيراً من التفاعلات عبر "السوشيال ميديا" تستهدف اللاجئين والنازحين بضراوة، وتحرض على طردهم، أو تحملهم مسئولية تدهور الأوضاع المحلية في عديد البلدان.