أسر الضحايا: "دبحوكم زى الفراخ يا ضنايا"

كتب: أحمد منعم

أسر الضحايا: "دبحوكم زى الفراخ يا ضنايا"

أسر الضحايا: "دبحوكم زى الفراخ يا ضنايا"

حالات إغماء وعويل وصراخ وسواد كست منازل أسر الضحايا الأقباط فى ليبيا بعدما وصل لذويهم أخيراً نبأ قتلهم ذبحاً دفعة واحدة على شاطئ طرابلس، سُدَّت الأبواب بدفعات النساء اللائى انتقلن من بيت إلى بيت فى قرية العور فى مركز سمالوط فى محافظة المنيا لتقديم واجب العزاء، 14 بيتاً، و14 ضحية و14 أسرة مكلومة فى قرية واحدة من أصل 21 أسرة مسيحية راح أبناؤهم ضحايا لمذبحة جماعية، تقرحت عيون الأمهات من البكاء، زاد من حزن قلوبهن النسوة اللاوتى ارتكن على حوائط البيوت المغطاة بطبقة من الطين باكيات متحاملات على أنفسهن. خرج رجال أسر الضحايا، الآباء والإخوة، إلى سرادق العزاء الذى أقامته كنيسة قريتهم القبطية، وبين الأقارب الذين طالبوا بدكّ ذابحى أبنائهم، والمطالبين من أقارب الراحلين بفتح باب التطوع فى الجيش لمحاربة تنظيم داعش الإرهابى، جلس والد الشهيد ميلاد سنيوت فى حالة من الانهيار منتحباً يردد بصوت مبحوح ممزوج بالدموع: «يا ريتنى ما دفعت لك فلوس السفر يا حبيبى، حشّوك وانت لسه عود أخضر يا ضنايا، يا ريتنى كنت مكانك يا حبيبى، طيب كانوا يبعتولنا جثتك ندفنها» ويواصل: «دبحوكم زى الفراخ يا ضنايا.. يا ريت ما وافقنا على سفركم». أكوام من التراب وعفرة أحاطت بعض الأمهات الثكالى والأرامل المنهارات، عتبات البيت لم تفتقد الوافدات والمغادرات من العزاء الذى ملأ البيوت الـ14 فى قرية واحدة، فى صعيد مصر، ليلة لم تختلف كثيراً عن لون ثياب المعزيات، وأبناء أُخفيت عنهم حقيقة ما وقع لآبائهم فى الغربة، وآخرين علموا بحقيقة ما جرى. «سافروا علشان لقمة العيش»، تبرير ساقه ميخائيل رجائى، ابن عم الشقيقين المقتولين «صموئيل إسطفانوس، وبيشوى إسطفانوس»، من بين من لجأوا للسفر إلى ليبيا من أبناء قرية العور التى شهدت 14 قتيلاً أو فى مركز سمالوط، وعزبة صمصوم التى وقع من بين أبنائها ضحية واحدة فى حادث الذبح الجماعى على أيدى أفراد تنظيم «داعش». متماسكاً يقول «ميخائيل» إن ابنَى عمه الراحلين «كانوا فى سن جواز، وبيشوى كان ناوى ينزل فى عيد الميلاد اللى فات علشان يخطب لكن حصل موضوع الخطف، وفى الآخر دبحوهم هما الاتنين زى الفراخ، اللى مالهمش دين ولا ملة».[SecondImage] يروى «ميخائيل» أن والدة الشقيقين «صموئيل وبيشوى» كانت تستعطفهما أن يعودا إليها وألا يبقيا فى ليبيا قبل حادث الاختطاف، لكن كان ردهما واحداً، إنهما فى سيرت ومفيش مشاكل عندهما، وإنهما خائفان أن يخرجا من سرت فيتعرضا للقتل أو للاختطاف، مثل السبعة الأقباط الذين خُطفوا قبلهما». تم نقل أم القتيلين «بيشوى وصموئيل» إلى المستشفى «بعد ما وقعت من طولها، ويا عالم هتقدر تعيش بعد ما شافت رقابى عيالها بتتقطع ولا لأ» وأضاف «ميخائيل» قائلاً: «من وقت ما عرفنا بموضوع الخطف وهى مابتمشيش تقريباً، ولا فارقها البكا ولا القلق على عيالها، تخيل طول الأسابيع دى مستنية وقوع البلا». «نظرها راح» يذكر ابن عم «بيشوى وصموئيل» كيف أثر حادث الخطف منذ فترة على أمهما قبل أن ينتهى بها الحال فى مستشفى الراعى الصالح «بين الحيا والموت». قال «ميخائيل» إن الأسرة بذلت قصارى جهدها: «رحنا مجلس الوزراء ورحنا عند نقابة الصحفيين، ورحنا لوزير الخارجية ما رضيش يقابلنا وخلّى المتحدث باسم الوزارة هو اللى يقابلنا ويقول لنا كلام طيب، كنا بنخرج من عند كل مسئول فاكرين إن ولادنا معانا من كتر ما كانوا بيطمنونا، لكن فى الآخر لقيناهم اتدبحوا». يواصل الشاب المنياوى قائلاً: «لو نقدر كنا سافرنا ليبيا نجيبهم، ولو نقدر نروح ليبيا دلوقتى ننتقم من اللى عملوا كده فيهم، وكل اللى طالبينه دلوقتى جثث عيالنا، ولا أكتر ولا أقل». رحّب أقارب مذبوحين فى ليبيا بالهجوم الجوى الذى نفذته مقاتلات قوات الجيش المصرى، إذ قال عماد سليمان، شقيق ماجد سليمان، أحد ضحايا المذبحة: «المهندس إبراهيم محلب كان بيعيط على عياطنا، والهجمة اللى الجيش عملها برّدت نارى على أخويا، ونفسى يستمر فى ضرب داعش وكل اللى حرضهم من الغرب». ماجد سليمان هو أكبر الضحايا سناً، ظهر باكياً فى فيديو الذبح الذى بثه تنظيم داعش، أمس الأول الأحد، لكن ماجد ليس الوحيد من تلك الأسرة، بحسب ما يقوله شقيقه عماد سليمان: «فى ثانية واحدة قتلوا 21 بنى آدم، دبحوهم كأنهم فراخ، البيوت كلها فى البلد حزينة على قتلهم، لكن بيتنا فيه 7 شهداء، هما: ماجد سليمان شحاتة، وأبانوب عياد عطية، ويوستا شكرى، وهانى عبدالمسيح، وكيرلس بشرى فوزى، وملاك إبراهيم، وجرجس ميلاد». «لو فتحوا باب التجنيد هتطوع رغم إنى سايب الجيش من 14 سنة» بنبرة صوت عالية وانفعال يقول «عماد سليمان» الذى تسبب فى دخول بعض آباء القتلى فى نوبة بكاء ونحيب. بجفنين مصبوغين بحمرة البكاء، يقول عياد عبدالمسيح، شقيق الضحية هانى عبدالمسيح، بنبرة متهدجة متحشرجة: «كل واحد من اللى ماتوا وراه أهل، وراه أم أو أب وزوجة وأبناء، وراه همّ ومسئوليات، كان طالع يجيب لقمة عيشه، يا ريته رجع مقتول وخلاص، لكن اتصور وهو بيتدبح على إيد الكفرة عديمى الدين وكمان مش هناخد جثته». اختبأت الأمهات الثكلى فى بيوتهن، منهن من أغمى عليهن ومنهن من ينتظرن، منازل أنفقت عشرات الجنيهات فى صباح يوم مر صعباً عليهم على مهدئات الأعصاب وأدوية الضغط والسكر، حالات من الإغماء أطاحت بالبيوت التى شاهد أهلها مقطع الفيديو الذى وثّق حادث قطع رؤوسهم بعيداً عن بيوتهم بمئات الكيلومترات.