الافتراءات «الخرباوية» على الأزهر

«شيخ الأزهر والصّابون».. مقال جاء فى صحيفة «الوطن» بتاريخ 3/2/2015م، وهو يكشف عن مدى التقزّم الفكرى لصاحبه أمام القرّاء، وفيه هجوم غير لائق على فضيلة الإمام الأكبر، وزَعْمٌ بأنّ قلمَ فضيلته هو المداد الحقيقىّ للإرهاب فى مصر، ودليله أنّ الإمام قد أشاد بـ«سيد قطب» فى كتابه الذى يردّ فيه على مشروع «حسن حنفى» فى التّراث، ثمّ يزعم أنّ الشّيخ ارتعش قلمه يوم فضّ اعتصام «رابعة»، وأخرج بياناً يدعو فيه لضبط النّفس وحرمة الدّماء -وهذا عجيبٌ عنده- واختتم مقاله بأنّ الإمام بعد سماعه لخطاب الرئيس (كتب بياناً، قال فيه: سنبذل جهدَنا فى «ضبط الخطاب الدينى»! وكان يظنّ أنّ الرّئيس لن يفهمَ الفرق بين الضّبط والتّجديد، فالكلّ عند العرب «صابون»). هذا هو ملخّص المقال، وأقلّ ما يمكن أنْ يوصف به أنه: «رَغْوٌ لا قيمة له»، ولا يستحقّ فى الردّ مِداد القَلم، ولولا أنّه يتعرّض لمؤسّسة عظيمة ولقامة كبيرة ما أتعبنا أنفسنا بالردّ عليه، مع التّأكيد أنّنا لَسْنا متحدّثين باسم مؤسّسة الأزهر، والإمام، ولا هما فى حاجة إلى مَنْ يدافع عنهما؛ لعدم وجود أدلّة اتّهام، لكنّ الحمية فى قول الحقّ هى دأبنا، بل ودأب كلّ مَنْ شربَ من مياه الأزهر النّقيّة، خاصّة عندما نرى مقالاً مثلَ هذا لا هدفَ له سوى هدم المؤسّسة ورسالتها، واتّهام الأكابر بما ليس فيهم، ولقد سبقنى الأستاذ أحمد المسلمانى بقوله، فى الوفد: «إنّ المهاجمين للأزهر وشيخه فى هذه الأيام هم مجموعة من الأغبياء لا يسوقهم للهجوم علم ولا معرفة، بل جهل مطبق»، ثمّ يقول لهؤلاء جميعاً: «تعلّموا قبل أنْ تهاجموا»، وقد صَدَق؛ فالمهاجمون مجموعة لا حظّ لهم فى العلم، وصاحب المقال سيرته العلميّة تؤكد أنه لم ينبت فى محيط علمى، ولم يعرف له أحد أثراً يدلّ على التفكير والبحث والرّغبة فى معرفة الحقّ الذى يمكن أنْ يؤدّى لبناء البلاد لا هدْمها، وكلّ مؤهلاته العلميّة تتمثّل فى انضمامه لجماعة معروفة، ولمّا لَمْ تتحقّقْ معها مآربه، أفْشَى أسرارَها، وأصبح يتعايش بها على موائد الفضائيات، ثمّ هو الآن يريد أنْ يلعبَ مع الكبار، ويناطحَ الأزهرَ: (يا ناطِحَ الجَبَلِ الأشَمِّ بِقَرْنِهِ... رِفْقاً بِقَرْنِكَ لا رِفْقاً عَلى الجَبَلِ).. وحتّى لا نظلمه نبدأ بمناقشته من حيث انتهى: أوّلاً: ادّعى أنّ الإمام (حفظَه الله) بعد خطاب السّيّد الرّئيس كتب بياناً قال فيه: (سنبذل جهدَنا فى «ضبط الخطاب الدينى»! وكان يظنّ أنّ الرّئيس لن يفهم الفرق بين الضّبط والتّجديد، فالكلّ عند العرب «صابون»...). وهذه العبارة هى ما بنَى عليها مقاله، وهى باطلة كاذبة خاطئة، وما بُنِىَ على باطل فهو باطل، وإلّا فإنّنا نتحدّى أنْ يخرجَ لنا هذا البيان، والجميع يعلم أنّ فضيلته لم يعلّقْ بعد هذا الخطاب كما يزعم الكاتب، بل منذ أنْ تولّى المشيخة؛ وهو دائم التّجديد بلا تسرّع، إنّما بضوابط علميّة تجمع بين العقل الصّحيح والنقل الصريح، ولذا نؤكد أنّ الكاتب إذا لم يخرجْ لنا ما ادّعاه سينطبق عليه وصف المسلمانى أعلاه.. وإنّا لَمنتظرون. ثانياً: لو عدْنا لما بدأ به الكاتب مقالَه الباطلَ هذا لرأيناه يتحدّث عن قلم الإمام حين يُسَطّر الرّدود فى مقالات -حسب ظن الكاتب- على مشروع الدكتور حسن حنفى فى التّراث؛ وهو يسخر قائلاً: (إنّ الشّيخ رأى أنّ المقالات كانت عميقة ومبهرة فجمعها فى كُتَيّب صغير..» فبها ونِعْمَتْ)، وهذه السّخرية يرى القارئ أنّ عذْرَه فيها هو الجهل المطبق للكاتب؛ ففضيلة الإمام لم يكتب هذا الكتاب جمعاً لمقالات بل هو كتاب صيغ لموضوع واحد، ولما كانت عباراته مركزة تركيزاً علميّاً دقيقاً استحال على عقلية كاتب مثل هذا أن يستوعب فوائده، فيكذب، ويفضح نفسه، ويظن أنه مجموعة من المقالات ظن الإمام أن فيها عمقاً -حسب أسلوب الكاتب المتدنى- فجمعها هكذا! وكأنه يرد على نفسه بعنوان مقاله (أنّ الكلّ عند الكاتب صابون)! وليسَ هكذا تورَد الإبل يا صاحبَ الصّابون، بل وددت لو يعطّر عينيه، ولو بقراءة بعض فقراته، إذْ لو قرأها وأبعد نفسه عن الهوى لاكتشف أنّ بها مضادات حيويّة قويّة تفْشِل الفيروسات الفكرية القاتلة للقيم والدّين، التى يحتوى عليها مشروع صاحبه، فمثلاً فى ص 86 ينبّهنا الإمام أنّ صاحب المشروع يقول: (إنّ ما يظنّه البعض أنّه إلحاد قد يكون هو جوهر الإيمان، وما يظنّه البعض الآخَر أنّه إيمان قد يكون هو الإلحاد بعينه)، وهذه مغالطات بدهيّة منطقيّة ودينيّة، فالجمع بين النّقيضيْنِ مرفوض منطقيّاً، والإلحاد الذى ينكر الإله مرفوض دينيّاً، بل فى ص 89 يقول: (الإلحاد يؤدّى إلى الخير) فهل الإلحاد يؤدى إلى الخير يا صاحب الصابون؟! وهل تدرك أن منظمة اليونيسكو العالمية قد أدركت الوزن العلمى لمادة الكتاب فطلبته وترجمته للفرنسية؟ وأظنك لا تعلم -إن أردت أن تعلم- أن هذا الكتاب وُزّعتْ منه منذ أشهر قريبة أكثر من (75000) نسخة؟ فالخارج يقدّر أقلام أكابر علمائنا، وعندنا مثلك يسخرون! ثالثاً: يزعم الكاتب أنّ قلم الإمام وهو يذكر «سيد قطب» يعتمد عليه الإرهابيّون فيقتلون الجنود... إلخ!! فهل كان الكاتب فى وعْيَه وهو يتحدّث عن قلم الإمام بهذه الطريقة المتدنّية؟ وهل يعلم نتائج ما يقوله على الشيخ والمؤسسة؟ فالشّيخ أتى بتقارير تصف الوضع آنذاك، مبيّناً أنّ التضييق على الدّين والأزهر وقتها أمْلَتْه الظّروف، وذَكر جهود مَنْ كانوا بمثابة مصدّات للاشتراكيّة من خلال كتبهم، ومنهم سيد قطب، وذكر له كتاباته فى هذا المجال، ولم يذكر مثلاً «معالم فى الطريق»، والكاتب يعلم أنّ ذكْرَ «قطب» جاء فى ص 16، وفى ثلاثة أسطر ونصف السطر، فلماذا لم يَذكر بقيّة الأسماء الذين ذكرهم فضيلته قبل قطب وبعده؟، فلو كان الكاتب منصفاً لأطلعنا على ما قاله فضيلته عن العقّاد فى هذا الشأن، ووصفه فى ص 15 بـ«عملاق الأدب العربى»، والدكتور محمّد البهى، الذى أَثْنَى عليه بقوله «إنّه أثبتَ تهافتَ الفكر المادىّ فى مؤلفات بالغةِ الرّصانة والقوّة»، والشّيخ الغزالى الذى مدَحَه فى ص 16و 17، وأثنَى على جهد محمّد باقر الصدر الشّيعى فى هذا الشأن، بالرغم مِنْ أنّ جماعتَه الآن تقتل أهلَ السّنة بغير حقّ، ولم يثْنه هذا عن إنصافه، ثم هل يجرؤ الكاتب على إنكار تأثير كتاب (العدالة الاجتماعية فى الإسلام) على كثير من قناعات القراء والمثقفين، بل على نفس الكاتب حين كان يسبّح بحمد سيد قطب، وتنظيمه الحركى؟! (تَمَذْهَبْتَ للنّعمانِ بعدَ ابن حنبل، وذلك لمّا أعوزتْكَ المآكل): (وَلاَ يَجْرِمَنّكمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلاّ تَعْدِلواْ اعْدِلواْ هوَ أَقْرَب لِلتّقْوَى) [المائدة: آية 8]، فالمسألة ليستْ محلّ هوى يحرّك الإمام فيما يكتب، بل العدل والقسط: (وَلَوِ اتّبَعَ الْحَقّ أَهْواءَهمْ لَفَسَدَتِ السّمَوات والْأَرْض) [المؤمنون: 71]. بقيتْ نقطةٌ أخيرةٌ قد لا يعيها الكاتب؛ وهى أنّ الإمام (حفظَه الله) هو دائماً ما يحارب الإرهاب ولا يغذّيه، ومؤتمر الأزهر فى ديسمبر الماضى يصفع كل مدّعٍ أثيم فى ذلك، كما أنّ فضيلته لم يكن يوماً من أصحاب الأيدى المرتعشة، وما بيانه بضبط النفس يوم فضّ رابعة إلا لأنّ البعض ظنّ أنّ للأزهر يداً فيما وقع، فكان هذا البيان وما هو إلا منهج إسلامىّ؛ لأنّ المسألة فيها دماءٌ وقعت، ودم المسلم أشدّ حرمةً من الكعبة، فهل كان الكاتب يودّ ألا يدعوَ الشيخ لضبط النّفْس، ويكون مستبيحاً للدماء؟ ما هذا العبط الفكرىّ؟!! * أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر