اليمن السعيد.. سابقاً
قبل أيام من أحداث اليمن الغامضة التى تكشف أن خرائط المنطقة مطروحة على طاولة أجهزة استخبارات القوى العظمى، سعياً لتفكيكها وإعادة هيكلتها مجدداً، ومصر فى القلب منها، كنت أشرف بحضور حفل توقيع كتاب «رحلات ابن فؤاد فى وصف البلاد والعباد»، للكاتب الصحفى شارل فؤاد المصرى، فى محاولة منى للحاق بقافلة المعرفة، فأمام الكتاب تسقط أسلحة المقاومة، خاصة عندما يكون الكاتب صحفياً، يكتب وكأنه على موعد مع الطائرة، بكلمات موجزة ورؤية فاحصة، تكشف ما وراء المشهد الذى يتحول عنده إلى خبر يملك حِرفية أن يبقيه طازجاً ومثيراً.
المصادفة أن تكون الصفحات الأولى عن «اليمن»، هل هو الحس الصحفى، أو الحدس، وعنه استعرت تعبير «اليمن الذى كان سعيداً» بتصرف، والحدس، فى أحد معانيه، الفراسة والذكاء، وهى صفات تفتقر إليها منطقتنا، واليمن نموذجاً.
وتكتشف عبر صفحات الكتاب أن اليمن من البلاد التى يمكنك أن تقرأ عبر شوارعها وتضاريسها وناسها التاريخ السحيق بدون تغيير لافت، رغم بعض مظاهر مدنية تسعى لتضع بصماتها على استحياء فى مزاحمة للأبنية والشوارع والميادين، لكنها لا تستطيع اقتحام الموروث داخل الإنسان اليمنى، والأسواق ما زالت تحتشد بالجنابى والسيوف والقات، والحناء ومشغولات الفضة المطعمة بالأحجار الكريمة، وتدهش عندما تعرف أن باليمن جبالاً كاملة من العقيق، أما الجنابى فهى الخناجر اليمنية التى تشكل جزءاً من شخصية المواطن خاصة سكان المناطق الجبلية، ويحملها ظاهرة مربوطة على «جنبه»، والقات نبات أخضر كالنعناع، لا يكاد يفارق الناس يمضغونه ويخزنونه على جانب الفم، حتى تخاله ورماً وقد تكور الخد بشكل لافت، يعطى للمرء شعوراً بالنشوة ويمنحه طاقة هائلة وتركيزاً ذهنيا كبيراً، لساعات، ثم تخور قوى الشخص وتغشاه حالة هبوط فظيعة، فهو منشط ومخدر بآن، ويستهلك اليمنيون منه سنوياً 200 مليون دولار.
وعندما تذكر اليمن نذكر للتو مضيق باب المندب بوابة البحر الأحمر على المحيط، والعمق الاستراتيجى لمصر، والصراعات الدولية، وصراعات الجزيرة العربية والخليج وإيران، والحوثيين مخلب إيران فى صراعها، ولعل سرعة نقل السلطة بالسعودية قبل تشييع جنازة العاهل السعودى الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز إلى ولى العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وتعيين ولى عهد جديد وتعيين ابنه وزيراً للدفاع، تحمل إشارات واضحة على خطورة الوضع هناك.
وتحسب التطورات والصراعات التى تشهدها اليمن، مدخلاً لاستهداف مصر، فى ضوء صراعات الخليج وطموحات إيران فى بسط نفوذها على الخليج، وطموحات خارطة الشرق الأوسط الجديد التى أشارت إلى تقسيم السعودية إلى إمارات بحسب التوزيع القبلى ومواقع الثروة البترولية، وقبلها تقسيم اليمن إلى ست مقاطعات، وغير بعيد أن يكون وراء الأكمة سعى حثيث لجر مصر إلى مواجهة عسكرية للدفاع عن حرية الملاحة فى مضيق باب المندب، الشريان الحيوى الذى يمكن أن يحاصر مصر ويخنق قناة السويس، لاستكمال محاولات خلق مواجهة مثيلة بين مصر وليبيا، لتبرير الهجوم على مصر وتفكيكها أسوة بالعراق وسوريا وليبيا، بعد فشل محاولات تفكيكها داخلياً، عبر موجات الإرهاب التى انكسرت على صخرة الوطنية المصرية.
ما يحدث باليمن هو استكمال لما يحدث حولنا لإحكام الحصار على مصر، الأمر الذى يحملنا مسئولية الخروج من التعاطى التقليدى لقضايانا، بحزم وحسم، لا نملك معه رفاهية التراخى والصراعات الحزبية الضيقة، ليس أمامنا إلا توحد القوى الوطنية ودعم الدولة وهى تخوض معركة البناء الحتمية.
فهل ينتبه الشباب الغارق فى توهمات يغذيها من سقط حلمهم للعودة مجدداً سواء من أنظمة الفساد الغاربة ومعها الساعون لتديين الحكم؟