حكاية ناجية من أسوأ انفجار نووي في التاريخ.. كواليس 37 عاما من إشعاع تشيرنوبل

حكاية ناجية من أسوأ انفجار نووي في التاريخ.. كواليس 37 عاما من إشعاع تشيرنوبل
طفلة صغيرة اعتادت على اللهو بألعابها المختلفة، في كل صباح تستيقظ ولا تحمل همًا وكل ما يشغل بال عقلها سوى اللعب فقط، اعتقدت أنّ الحياة ستحمل لها مستقبلًا جيدًا وستحقق كل أحلامها، إلا أنّ القدر كان يخبئ لها أمرًا آخر، ففي 26 أبريل، انقلبت حياتها رأسًا على عقب، لتهجر بيتها وبلدتها بالكامل ومحرم عليها العودة حتى الآن، وتصبح ضيفة دائمة على المستشفيات بسبب خطأ بسيط ارتكبه مجموعة من الأشخاص، إلا أنها دفعت ثمنه غاليًا.
جانينا سكارليت، كانت تعيش مع أسرتها بالقرب من مدينة بريبيات الأوكرانية في الثمانينات، وعندما كانت في سن الثالثة، تغيرت حياتها بالكامل، ففي تمام الساعة الواحدة و23 دقيقة صباح يوم 26 أبريل 1986، كان هناك صوت انفجار مدوٍ ونيران مشتعلة أحالت الظلام الدامس إلى نهار، لم تكن تدري في ذلك الوقت، أنها على موعد مع أسوأ كارثة نووية عرفها تاريخ البشر وكوكب الأرض على حد سواء، لتصبح الطفلة فيما بعد من الناجيات من كارثة مفاعل تشيرنوبل النووي الأوكراني.
تفاصيل كارثة تشيرنوبل
تحكي الدكتورة النفسية جانينا سكارليت، لـ«الوطن»، تفاصيل المأساة التي عاشتها مع الآلاف من الأشخاص منذ 37 عامًا، بأنّ أسرتها في ذلك الوقت، لم تكن تعرف طبيعة الحادث الذي وقع في مفاعل تشيرنوبل النووي، إذ تعيش في مدينة فينيتسا على بعد حوالي 200 ميل من تشيرنوبل، ولكن والداها لاحظا أنّ هناك أمرًا غير طبيعي، فالعديد من الأشخاص بدأوا يمرضون بشكل مفاجئ، وتتدهور حالتهم بسرعة، وبالرغم من مرور أسبوعين على الكارثة، إلا أنّ السلطات السوفيتية، أخبرت الجميع بأن هناك حادثًا بسيطًا في المفاعل النووي وجرى احتواؤه: «تركونا نعيش مع الإشعاع حتى أصبح كل شيء ملوثًا به، استمر الناس في تناول الطعام والشراب واستنشاق الهواء المشبع بجزيئات اليورانيوم المشع، وتناول الفاكهة والخضروات التي تضاعف حجمها بشكل مفاجئ دون معرفة السبب».
بعد ذلك، أعلنت السلطات أنّ كل شيء على بعد 30 كيلومترًا من منطقة الانفجار محظورًا، لذا لم يكن السكان في مدينة «سكارليت» على علم بتأثيرات الأمر وأنهم في خطر بالغ، وظلوا فيها 9 سنوات كاملة بعد الحادث، وتعرضت الطفلة في ذلك الوقت، للإشعاع بشكل كبير، ليجري نقلها إلى المستشفى وتجد هناك أطفالا آخرين أصيبوا بالسرطان وتدهورت حالتهم: «كنت أجد أطفالا في مثل سني في المستشفى واتعرف عليهم، لأجد أنهم فارقوا الحياة متأثرين بسرطان الغدة الدرقية، والكبار أيضًا أصيبوا بسرطان الدم، وظننت أني سأموت، كانت فترة صعبة جدًا».
«كنت أصاب بالنوبات ونزيف في الأنف لا يتجلط فضلًا عن الصداع النصفي، ومناعتي تأثرت بشكل كبير، وأقل دور برد يمكنه أن يتسبب لي في مضاعفات خطيرة»، تتذكر الطبيبة صاحبة الـ34 عامًا، المأساة التي عاشتها وتتمنى لو كان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، صارح الجميع عما يحدث منذ الساعات الأولى لحدوث الانفجار: «كان يمكنهم أنّ يخبرونا بغلي الطعام والماء والبقاء في المنزل».
مضاعفات صحية بسبب الإشعاع
انتقلت الفتاة الثلاثينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع والديها وشقيقها في عام 1995، لكنها لم تستطع التعافي بشكل تام مما حدث، فلا تزال تعاني من صدمة نفسية من وقت لآخر كلما تذكرت الحادث، فضلًا عن ضعف مناعتها وعدم قدرتها على التكيف مع تقلبات الطقس، وإصابتها بنوبات مفاجئة: «حتى الآن لم أستطع تجاوز ما مررت به في الثمانينات، وكنت أعتقد أنّ هناك شيئًا خاطئًا بي لأني لم أعرف أني أعاني من صدمة نفسية، كنت أعتقد أني غريبة الأطوار وأشعر بالضعف في أثناء تواجدي بالمدرسة، ولكني لم أدرك حقيقة ما أعاني منه في ذلك الوقت، فضلًا عن تنمر الآخرين عليّ بكلمات مثل هل أنتِ مشعة؟»، بحسب حديثها لـ«الوطن».
«استغرقت 25 عامًا كي أستطيع نطق كلمة تشيرنوبل، كان صعبًا للغاية تذكر مع حدث في طفولتي»، حصلت «سكارليت» على دكتوراه في علم النفس، وتعمل كطبيبة نفسية في كاليفورنيا: «عندما كنت في عمر الـ16 عامًا، شاهدت فيلمًا خياليًا يدعى XMen، وأعجبتني فكرة الشخصيات الخيالية، وقررت استخدام تلك الشخصيات في تطوير علاج جديد للصدمات يدعى super hero therapy، لمحاربة أفكار الاكتئاب والضعف لدى المرضى ولدي أنا أيضًا».
مسلسل تشيرنوبل الوثائقي
عندما عُرض مسلسل تشيرنوبل الوثائقي عام 2019، شاهدت الطبيبة النفسية، الحلقة الأولى فقط ولم تستطع تكملة المسلسل، لأنه أعاد إليها ذكريات سيئة لا تزال تعاني من آثارها حتى الآن، ولم تزر تشيرنوبل منذ حدوث الكارثة، كما شهدت زيادة في أعداد المرضى الأوكرانيين الذين تذكروا ما حدث بعد عرض المسلسل: «أنا سعيدة بوجود عمل فني مثل هذا، يساعد في توضيح ما حدث في الثمانينات، وأقول لجميع من مروا بالتجربة المؤلمة، يجب أنّ تكونوا أقوياء وتبحثوا عن الدعم».
تتمنى «سكارليت» زيارة بلدتها قريبًا بالرغم من معرفتها أنه لم يبق منها شيئًا، فلا أحد يعيش بها الآن بسبب نسبة الإشعاعات العالية، مثل تشيرنوبل وبريبات، لكنها تريد أنّ تسترجع القليل من طفولتها التي سُلبت منها بين ليلة وضحاها بسبب خطأ العاملين في المفاعل النووي في ذلك اليوم، فبسبب قلة خبرتهم،أجروا اختبارًا فاشلًا لمعرفة ماذا سيحدث حال انقطاع بشكل مفاجئ، ليتسببوا في حدوث خلل بدورة تشغيل المفاعل، وانفجاره، وأيضًا عجرفة الاتحاد السوفيتي الذي خاطر بحياة الآلاف من أجل الحفاظ على سمعته فقط.