الحوار الوطني.. والتجربة الحزبية المصرية!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

تعثّرت التجربة الحزبية فى مصر طويلاً ولأسباب كثيرة وطويلة سيكون من الصعب تناولها فى هذه المساحة، فقد يحتاج ذلك، وبلا مبالغة، إلى كتاب مستقل يناقش تطور الأحزاب المصرية منذ ما قبل القرن الماضى، مروراً بالتجارب الحزبية السابقة حتى التى وصفت بـ«التجربة الليبرالية»، حيث لا يتّسق وجود أحزاب تسعى للسلطة مع وجود احتلال أجنبى!

فيبدو الأمر أقرب إلى التهريج فى موضوع جاد.. مروراً بإعادة التجربة من جديد منتصف سبعينات القرن الماضى، وصولاً إلى ٢٠١١، وهى الفترة التى اجتهدت خلالها الأحزاب للوجود السياسى والجماهيرى فى ظل شارع سياسى منعزل عن العمل السياسى وسلطة لا تؤمن أصلاً بالتعدّدية وتركتها كتجميل للنظام الحاكم وقتها عبر عصرين دون التدبّر المخلص لمستقبل البلاد، وأن التعدّدية مسألة حتمية للتحول نحو مجتمع ديمقراطى يؤمن بالعمل الحزبى!

ولذلك اشتعلت الصراعات داخل هذه الأحزاب، وبات عدد منها يتحدّد مصيره فى المحاكم وأمام القضاء المصرى الذى يفصل منذ سنوات فى صحة رئاسة فلان للحزب الفلانى ومشروعية وجود علان على رأس الحزب العلانى، وكذلك مدى صحة انعقاد كثير من المؤتمرات العامة للأحزاب أو هيئاتها العليا، وبالطبع سبب ذلك وجود طعون بالتزوير فى كشوف العضوية وصحة الانعقاد والدعوة له، إلى آخر عدد كبير من صيغ الاتهام فى الساحة الحزبية أصبحت محفوظة وشهيرة!

ويبدو السؤال الآن: هل نريد تجربة حزبية حقيقية فى مصر وتحول سياسى حقيقى وفعال؟صناعة مستقبل أفضل لشعبنا نجيب عن السؤال بنعم.. خصوصاً أن مسافات كبيرة قطعتها الدولة فى الملفين الآخرين -الاقتصادى والاجتماعى- ويتبقى الملف السياسى المتعثر، وهو بالمناسبة الملف الوحيد الذى لا تتحمّل السلطة وحدها مسئوليته ومهمة النهوض به، وإنما مسئوليتها بالشراكة مع المجتمع المدنى كله من الأحزاب والجمعيات والنقابات المهنية والعمالية والأندية الرياضية وأندية هيئات التدريس بالجامعات المصرية!

الدولة المصرية -والذكرى تنفع المؤمنين- خصّصت المؤتمر الوطنى للشباب المنعقد بالقاهرة فى مايو ٢٠١٨ بالكامل لمناقشة جدول أعمال من نقطة واحدة ووحيدة، وهى «التعدّدية الحزبية والمشاركة السياسية»، وبعد مناقشات كثيرة طرحت فكرة دمج كل مجموعة أحزاب ذات توجه واحد وتتّفق على أهداف محدّدة ويربطها خيار أيديولوجى واحد لتأسيس كيان حزبى كبير يكون فاعلاً فى الشارع السياسى يلتحم بالجماهير ويخدمها ويستطيع أن يمثلها.. وحتى اللحظة ورغم مرور خمس سنوات لم تلقَ الدعوة والتوصيات أى نتيجة! فلا الأحزاب الليبرالية أسست حزباً واحداً، ولا الأحزاب الاشتراكية ولا الناصرية ولا السلفية!!

البعض لم يدرك حتى اللحظة كينونة «الحزب السياسى»، وأن الأحزاب معاهد لتخريج كوادر وطنية وخبرات علمية وفنية تستطيع فى أى لحظة تحمّل المسئولية، وأنها فى أى لحظة تشكّل البديل للحزب الحاكم -أى حزب حاكم فى الدنيا- وأنها طوال الوقت رقيبة عليه، وبالتالى يجب أن تمتلك البديل الجاهز.. من سياسات وبرامج قبل الأشخاص!

لكنها تحتاج -أحزابنا تحديداً- إلى الرشد السياسى وإلى الحكمة السياسية وإلى إنكار الذات وتقديم العام على الخاص وإنهاء التوجه القديم من أن الحزب ليس إلا يافطة وعنوان وقيادة عائلية أو حلقة ضيقة صغيرة تكون هى الحزب والحزب هى!

ولأن مصر أهم من الجميع وقبل وفوق الكل، كان الإصرار على بعث الأمل فى حركة الأحزاب ونشاطها.. نتأخر فى ذلك ممكن.. لكن نفقد الأمل أو نهمل الملف ونتركه لا.. خصوصاً أن هذا الملف التأخر فيه أفضل من الاندفاع به.. خصوصاً أن قوى شريرة تتربص بالشارع السياسى، بل وبمصر كلها!

ومع ذلك اتخذت الدولة خطوات مهمة لدفع حركة التعدّدية إلى الأمام، أبرزها ربما كان ضمان تمثيل عدد كبير من الأحزاب فى البرلمان من خلال التمثيل بدرجة أو بأخرى فى القائمة الموحّدة، ورغم عدم وضوح المعايير، فإن ذلك كان حلاً مقبولاً فى ظل -كما قلنا- التربص بالشارع السياسى من قوة قادرة على التحايل والتلون!

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل برزت بعض الإجراءات، منها تجربة «تنسيقية شباب الأحزاب» -وتحتاج إلى وقفة مستقلة- ومنها دعوة شباب جميع الأحزاب إلى منتدى الشباب دون تدخّل فى اختيار أسماء المشاركين، ومنها إلغاء قانون الطوارئ، ثم طرح الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى إجراءين بشهرين متتاليين من عام ٢٠٢١!

السياسى الماهر من يستطيع توظيف المتاح وتطويره أو الاستفادة منه إلى الحد الأقصى للسعى لخلق واقع سياسى جديد.. أما السياسى الفاشل فستجده يلعن ويسب ليل نهار وينعى حظه ويُهدر الفرص تلو الفرص لعدم قدرته، لا على التعامل مع الواقع، ولا حتى قراءته من الأساس!من أجل كل ما سبق، تتبدى أهمية مؤتمر الحوار الجارى فى مصر الآن.. وهو ومع أى ملاحظات عليه يحتاج إلى الدعم والتطوير والاهتمام، حتى لو كان إجراءً انتقالياً يمهد لتجربة حزبية حقيقية تحتاجها بلادنا ويحتاجها المستقبل أكثر.أكثر من أجل بناء بلد عصرى حديث!