أزمة المسرح الحائرة بين «الحكومة» و«البرلمان»

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

أشرت فى مقالى السابق إلى موافقة اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ على اقتراح النائب أكمل نجاتى، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بإصدار قرار من رئيس الوزراء بتحمُّل وزارة المالية مبالغ الضريبة المباشرة عن أعمال المسارح الخاصة والقومية والسيرك كحزمة تحفيزية للفن المسرحى المصرى ودعم القوة الناعمة المصرية، وهو ما اعتبرته، كما جاء فى عنوان المقال، «بُشرة خير للمسرح المصرى»، ومن حق القارئ أن أعترف له بخطئى، أو لنقل استعجال التفاؤل بتجاوب الحكومة مع الغرفة الثانية للبرلمان والأخذ باقتراح النائب «نجاتى».

هناك مسافة لا تخطئها العين تترجم عدم التلاقى كما يجب أن يكون بين أداء البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ) والحكومة، وتلاقى الطرفين لا يستلزم استجابة أحدهما للآخر فى كل الأحوال، لكنه يقتضى التفاهم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. فقط مجرد التفاهم كحد أدنى بين الطرفين.

استجابة الحكومة لاقتراح تحمُّل وزارة المالية مبالغ الضريبة عن المسرح أصبحت مشكوكاً فيها قياساً بما حدث مع الدكتور أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية.

فى شهر أكتوبر الماضى أرسل «زكى» خطاباً إلى الدكتور محمد معيط، وزير المالية، بطلب لمعاملة مسرح «القطاع الخاص» كصناعة صغيرة أسوة بالمشاريع الصغيرة التى تدعمها الدولة لإيجاد فرص عمل فى هذا المجال، ليس لكبار الفنانين فقط، بل لعدد كبير من صغار الحرفيين والفنانين والفنيين الذين تقوم على عاتقهم هذه الصناعة.

أشار نقيب المهن التمثيلية إلى تضرر الفنانين والعاملين بمسرح القطاع الخاص فى مصر من توقفه لأسباب كثيرة، أهمها عدم دعم الدولة وعدم تذليلها للمعوقات التى يواجها المنتجون، بالإضافة لفرض ضرائب متعددة تصل إلى 39% مقسمة إلى 10% «ضريبة ملاهى‎، و5% ‏قيمة مضافة، و22.5% ضريبة دخل، و1.4% ضريبة القيمة المضافة على التذاكر»، بالإضافة إلى نسبة شركة حجز التذاكر، وتصل إلى 10%، وبالإضافة إلى المصروفات الأساسية اللازمة حتى يخرج العرض المسرحى إلى النور، بداية من إيجار المسرح مروراً بأجور الممثلين والعمال والفنيين، ومقابل استهلاك الكهرباء والمياه، وانتهاء بمصروفات الدعاية، وبالتالى - حسب تأكيد الدكتور أشرف زكى - فإن خسارة المسرح فى كل الأحوال مؤكدة.

قال نقيب المهن التمثيلية فى خطابه إلى وزير المالية إن «مستوى تحضر الشعوب يقاس بفنونها ومظاهرها الثقافية وعدد مسارحها ودور الأوبرا الموجودة بها»، مذكّراً بأن مصر كان لها دور الريادة فى مجال المسرح منذ زمن طويل، وأشار إلى أن المنافسة فى سوق الصناعات الثقافية أحد المتغيرات الرئيسية لضمان الاستدامة والرواج، والحفاظ على هوية الفن المصرى، ودور مصر الرائد فى الثقافة والتنوير وتأكيد لدور القوى الناعمة فى إزاحة الفكر الهدام، وهو ما غاب عن المسرح المصرى منذ انهيار مسرح القطاع الخاص فى مطلع الألفية الثالثة، بعد فترة من الازدهار والرواج الكبير فى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضى حتى إن مسرح القطاع الخاص كان مصدراً رئيسياً لجذب السياحة العربية.

ولفت «زكى» إلى صعوبة عودة مسرح القطاع الخاص للمنافسة فى ظل هذه الأوضاع، خاصة بعد دول عربية أخرى تشجع وتدعم العروض المسرحية وتجذب الممثلين المصريين للعمل فيها.

أرسل نقيب المهن التمثيلية خطابه إلى وزير المالية فى أكتوبر 2022، ولم يرد الوزير، وفى فبراير من العام الحالى 2023 تقدمت النائبة مارسيل سمير، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع، وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهى فى الوقت نفسه تتولى موقع أمين سر لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بسؤال برلمانى لرئيس الوزراء ووزير المالية حول الإجراءات التى اتخذتها الوزارة تجاه خطاب نقابة المهن التمثيلية، وقالت النائبة فى سؤالها إن المسارح تخضع للتعريف الوارد بالقانون رقم 251 لسنة 2020 الذى عرّف كل المشروعات وفقاً لحجم الأعمال، وليس طبيعة النشاط.

مر أكثر من شهرين ولم يتلقَّ النقيب أشرف زكى أو النائبة مارسيل سمير رداً من الحكومة، ومن هنا أسحب تفاؤلى بالاستجابة لمطلب نائب «الشيوخ» أكمل نجاتى.

الدكتور سامح مهران، خلال حديثه مع القديرة الدكتورة درية شرف الدين فى برنامجها «حديث العرب من مصر» على التليفزيون المصرى، حذر من معاملة الثقافة كسلعة.

أتمنى لو أخذت الحكومة تحذير الدكتور مهران مأخذ الجد، فهو تحذير صادر عن رجل مسرح قدير محمل بخبراته كرئيس أسبق للمركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وسبق توليه رئاسة أكاديمية الفنون فى الفترة من 2009 حتى 2014، ورئاسة لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئاسة مهرجان المسرح المعاصر والتجريبى، ومؤخراً أصدرت الدكتورة نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة، قراراً بتكليفه برئاسة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى فى دورته الثلاثين لعام 2023.

وبالمناسبة الدكتورة درية شرف الدين تشغل حالياً رئاسة لجنة الثقافة فى مجلس النواب، والمؤكد أن لها دوراً مهماً فى حل أزمة المسرح.