وانطلق الحوار الوطني!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

انطلق الحوار الوطنى ليدشن مرحلة جديدة من مسيرة البلاد يتحمل فيها الجميع مسئولياته التى اختير من أجلها..

قطعت الدولة المصرية أشواطاً مهمة فى ملفين من الملفات الثلاثة المعنى بها الحوار.. حيث إنجازات كبيرة فى المحورين الاقتصادى والاجتماعى من بنية أساسية جاهزة لاستقبال فرص الاستثمار وبناء تشريعى تغير إلى الأفضل.. وفى المحور الاجتماعى أنجزت الدولة خطوات مهمة فى تمكين المرأة الريفية، والصعيدية تحديداً، اقتصادياً عبر أكثر من مشروع، وقطعت مسافة كبيرة فى مواجهة الزيادة السكانية عبر أكثر من إجراء؛ منها عودة الزائرة الصحية، والتوسع فى تأسيس وإنشاء وحدات الأسرة فى الريف المصرى، بخلاف الفحص الدورى، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة، فضلاً عن استمرار الجانب التوعوى!

يتبقى إذاً الملف السياسى، وللإنصاف ينبغى القول إنه الملف الوحيد الذى لا تتحمل الدولة ولا يقع على عاتقها وحدها مسئولية تطويره والنهوض به.. هو الملف الوحيد الذى يتشارك المجتمع المدنى والأحزاب السياسية تحديداً فى المسئولية.. وهنا نتوقف عند أزمة التجربة الحزبية فى مصر وهى أزمة لها أسبابها المركبة والعديدة.. تاريخية وبنيوية وتشريعية وسياسية.. والخوض فيها سيجرفنا إلى مناقشة تفريعات عديدة جداً، لكن سنكتفى بذلك الميراث الثقيل المرحّل من عصور سابقة عانت فيها التجربة الحزبية من مصاعب عديدة، أبرزها على الإطلاق وجود سلطات فى السابق لا تؤمن أصلاً بالتعددية ولا بقيمتها وبالتالى ولا جدواها.. ولذلك استمرت العملية الحزبية لتجميل أنظمة سياسية احتاجت وقتها لتقبّل دول وجهات أخرى لفكرة وجود «حزبية» فى مصر، وبالتالى إلى التعامل مع مصر كأنها بلد يسوده نظام سياسى حزبى متعدد مكون من جميع مكونات الطيف السياسى المصرى.. بينما فى الحقيقة كان الأمر عكس ذلك.. هو ما ورثناه اليوم ونعانى منه منذ سنوات!

واليوم نعانى من تجربة هشة تضم أحزاباً برقم قياسى يصل طبقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات إلى ٨٦ حزباً، بخلاف الأحزاب الأخرى محل تنازع ومجمدة إلى إشعار آخر!

ولا حل إلا بوجود معارضة سياسية وطنية حقيقية فى مصر تؤمن مستقبل الشعب المصرى السياسى وتستطيع ممارسة العمل السياسى الذى يتحول فيه الحزب إلى معهد لتخريج كوادر وطنية وخبرات نادرة تستطيع وتقدر على تحمّل المسئولية فى أى لحظة وتطرح بدائلها وأفكارها لنهضة الوطن وتراقب مَن فى الحكم ليكون فى صالح الجماهير حين يشعر مَن فى السلطة أنه لا يعمل منفرداً بلا مراجعة من أحد!

مؤتمر الشباب فى مايو ٢٠١٨ خصص بالكامل لمناقشة هدف واحد وجدول أعمال من نقطة واحدة كانت تطوير العمل الحزبى والتعددية السياسية فى مصر، وناشدت التوصيات مجموعة أحزاب تشترك فى الأفكار وتتشابه فى البرنامج أن تندمج لتؤسس حزباً كبيراً يكون فاعلاً ومؤثراً.. الأحزاب الاشتراكية ثلاثة أحزاب، والليبرالية عدد كبير جداً، والناصرية أربعة أحزاب، وهكذا.. ولكن الاستجابة تتطلب رشداً سياسياً وإنكاراً للذات وإعلاء المصلحة العامة، لذا ارتضت أغلب الأحزاب البقاء كما هى «يافطة ومقر واحد» دون أى تأثير!!

كل ما سبق يدعو إلى تقييم التجربة وفتح آفاق جديدة لعملها.. وإذا كان الحوار الوطنى قد انطلق، فالحمد لله تحقق ما طالبنا به هنا على صفحات هذه الصحيفة الموقرة باستطالة الحوار ليشمل النقابات والشخصيات العامة البارزة الملهمة وقائمة طويلة تشمل التجمعات والروابط والاتحادات الشبابية والنوعية الفاعلة والمؤثرة، وبالتالى كل الأمل أن يصل إلى حوار مهم امتد إلى تحقيق أمنيات شعبنا وتطلعاته حتى فى الملفات الأخرى غير السياسية والتى تجاوزت قضاياها المائة من قضايا الاستثمار والأسعار والتضخم والقروض والدين العام وعجز الموازنة والإصلاح المالى وأولويات الاستثمارات العامة وسياسة ملكية الدولة والاستثمار الخاص المحلى والأجنبى والصناعة والزراعة والسياحة والبورصة والتعليم والصحة والشباب والهوية والأسرة والتماسك المجتمعى والزيادة السكانية والانتخابات وحقوق الإنسان والإدارة المحلية والصحافة.

نحو ٩٦ ألفاً و٥٣٢ استمارة مشاركة، و٧٣٩ بريداً إلكترونياً، و٤٣٥ رسالة واتساب، و٢٨ اجتماعاً لأمانة المؤتمر، وأكثر من مائتى ساعة عمل، و٥٠٠ دعوة من إدارة الحوار، و٢٥ زيارة وفود حزبية، ومئات المقترحات من الأحزاب والقوى السياسية، و١١٣ قضية تتناولها ١٨ لجنة فى ٣ محاور، تلك أبرز حصيلة الحوار الوطنى بعد عام من دعوة الرئيس السيسى وتشكيل مجلس أمناء من ١٩ عضواً يمثلون كل التيارات والفئات، كلها أرقام تقول إن جهداً كبيراً قد بُذل ولا بد أن يثمر نتائج بحجمه.. كبيرة وتاريخية، هذا ما نتمناه وننتظره وندعو لتحقيقه لتتحقق تطلعات شعبنا فى وطن يتسع للجميع.. يبنيه الكل.. مسئول من كل أبنائه.. تحميه وتبنيه كل سواعد أبنائه الشريفة الوطنية!