مصطفى درويش.. السيرة أطول من العمر!

شعور غريب انتابني منذ لحظة الإعلان عن وفاة الفنان الشاب مصطفى درويش، فقد كان منذ لحظات قليلة يشكو «قلة النوم»، ويتبادل التعليقات مع متابعيه عبر حسابه على «فيسبوك»، وتقافزت الأسئلة في ذهني؛ هل هناك خلط في الأمر؟، هل تشابه أسماء؟، هل هي شائعة سمجة من شائعات «السوشيال ميديا» التي تستهدف المشاهير بين حين وآخر؟، لأعود وأصطدم بالحقيقة.

الخبر للأسف صحيح، والنوم العزيز على جفونه أصبح أبديا، مخلفا جرحا عميقا في قلوب مع تعامل معه عن قرب أو حتى من عرفه بحكم شهرته وسيرته، فرغم إيماني بأنّ لكل أجل كتاب، إلا أنّ هذا الشعور سيطر عليّ بشدة، خاصة أنّ الراحل لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة، كان الشعور مزيجا بين الحزن على رحيل إنسان بسيط ومحبوب ومحب للخير مثله، ورهبة من جلال الموقف، وخاصة حين التفكير في قدوم الأجل، ومدى تقديم الشخص لما يؤهله لأن يكون مطمئنا على آخرته.

في الآية رقم 24 من سورة الفجر، قال الله عز وجل في محكم التنزيل: «يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتي»، واصفا وضع الإنسان حين يقف يوم القيامة وهو يبدي ندمه على التفريط في الأعمال الصالحة في الدنيا التي كانت ستؤهله للبقاء في نعيم أبدي لا انقطاع له، وترزقه رضوان الله وتجنبه سخطه وغضبه.

الجميل «مصطفى درويش»، قدّم لحياته -بشهادة الجميع- العديد من الأعمال الصالحة التي أصر أن تكون «الحسنة المتدارية» كما كان يقول، من إطعام الطعام ومساعدة المحتاجين، فضلا عن سيرته الطيبة بين جميع مع عرفه وتعامل معه، فقد كان يخصص حصة كبيرة من المطعم الذي كان يمتلكه لأعمال الخير والبر، كان كما يقال «ابن موت»، أي أنّ شعور الوفاة المبكرة كان يلازمه وكان يعلن ذلك صراحة.

ولا أدل على سلوك الراحل من مبادرته لتغيير اسمه الفني «مصطفى درويش»، إلى «مصطفى حسين درويش»، نظرا لتعارضه مع اسم الفنان الكوميدي مصطفى درويش نجم برامج الكاميرا الخفية والعديد من الأعمال الفنية الأخرى، حيث قال الراحل إنّ «مصطفى درويش» أستاذه ويتابعه منذ الصغر، وهو أحق بالاسم منه نظرا لفارق الخبرة والسن وبدايات الظهور، ولم يكتفِ بذلك، بل قدّم له اعتذار عن أي إزعاج قد يكون سببه له، هل رأيتم أخلاق أسمى من ذلك؟.

وبالتدبر فيما كان يفعله الراحل مصطفى درويش، نجد أنّه كان يطبق حرفيا مقولة «السيرة أطول من العمر»، فلم يدخل في صراعات مع أحد، كان بشوشا محبا لمن حوله، لم يؤذِ أحدا أو يتصارع مع زميل لتجسيد دور، كل من عرفه تذكره بالخير والمحاسن الجمة التي كانت تفيض من شخصيته والتي طغت على أي أبعاد أخرى، فحب الناس نعمة لا تضاهيها أي نعم أخرى، وتكون بالتبعية نابعة عن حب الله للشخص وما يفعله من أفعال حسنة خالية من الرياء أو النفاق.

يقول الكاتب الكبير الراحل، أحمد خالد توفيق، «يكفي في هذه الدنيا أن يتذكرك أحدهم في مكان ما من العالم، ثم يبتسم لطيفك الغائب، يكفي أن تكون طيبا في ذاكرة أحد»، شخصيا لا أتمنى من الدنيا أكثر من ذلك، أنّه حين يأتي الأجل أجد من يتذكرني بالخير، وأدعو الله دائما أن يسخر لي ويرزقني من يشملني بدعاء أو بموقف حسن معي، أو بذكرى لطيفة جمعتنا تمطر عليّ الرحمات وترزقني السكينة، فالسيرة الحسنة الطيبة، أطول بكثير من العمر مهما طال أو قصر.