منهج اللغة العربية.. هو القاتل

ميلاد زكريا

ميلاد زكريا

كاتب صحفي

هل ما زلنا نشعر بالدهشة والمفاجأة مع كل قنبلة تنفجر، ومع كل عنق برىء ينحره الإرهاب، ومع كل فيديو داعشى أو إخوانى؟ إذا كانت الإجابة «نعم»، فهذا لا يعنى سوى شىء واحد: نحن لا نزال نعيش فى غيبوبة بدأت منذ السنوات الأخيرة فى عصر أنور السادات (راعى الإرهاب والإرهابيين)، ولن نفيق من تلك الغيبوبة ما دمنا نبدأ معركة مواجهة الإرهاب من الميدان الخاطئ. كان السادات هو الرجل الذى أعاد بعث فقه الإرهاب وزرع بذوره العفنة فى قلب المجتمع، ومات برصاصه. وعاشت مصر موجات متزايدة من هجمات الجماعات المتطرفة طوال عقدى الثمانينات والتسعينات، وفى تلك الفترة كان التحالف قوياً بين الجماعة الإسلامية والإخوان، حتى لجأ حسنى مبارك، الرئيس الأسبق، إلى التفاوض مع قيادات هؤلاء الإرهابيين، وانتهى الأمر إلى ما يسمى «المراجعات ومبادرة نبذ العنف». وكشفت ثورة 25 يناير أن هذه المراجعات لم تكن إلا هدنة مؤقتة، انتهت عندما حصل هؤلاء الإرهابيون على فرصة واحدة لتنفس الهواء بجلوس الإرهابى محمد مرسى على عرش مصر. الخلاصة، هنا، أن المواجهة الأمنية فشلت والتفاوض والتعايش أيضاً فشل فى وقف نمو وحش الإرهاب والتطرف؛ لأن النطفة التى تأتى منها تلك الذرية الفاسدة ما زالت بعيدة عن اهتمام صانع القرار فى مصر، تلك النطفة هى مناهج التعليم، والمنظومة التعليمية برمتها، هنا فى مدارسنا نربى متطرفين صغاراً، بعضهم تصلح الأسرة حاله، وبعضهم ينتظر الفرصة ليحمل السلاح أو ليكون إخوانياً أو حتى داعشياً. بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى ولايته بالإعلان عن سلسلة من المشروعات الكبرى، بالإضافة إلى شن حرب على تنظيم الإخوان الإرهابى، أى إنه يعمل على محورى «الأمن والاقتصاد»، أما الحلم الأكبر فى إقامة دولة متحضرة متقدمة، فلا تبدو فى الأفق أى أمارة عليه، ولا أحد يختلف حول حقيقة أن التعليم هو البداية الحقيقية والوحيدة لإصلاح عيوب المجتمع الذى يفرز التطرف ويغذيه، وهو أيضاً البداية الحقيقية لدولة حديثة متقدمة، لكننا لم نسمع من مؤسسة الرئاسة أى حديث بشأن المنظومة التعليمية، والمناهج الفاسدة، والمناهج المتطرفة. ومن يقرأ أى كتاب فى منهج اللغة العربية، لأى سنة دراسية، سيدرك حجم السموم التى يتجرعها أبناؤنا. ويقول الرئيس عبدالفتاح السيسى إن المعركة مع الإرهاب طويلة، لكن مصر ستنتصر فيها. وهذا صحيح، لأننا قد نربح معركة لكننا لن نربح الحرب، ما دمنا نصنع بأيادينا إرهابيين كل يوم، ربما نحصل على هدنة قصيرة كتلك التى حصل عليها مبارك فى منتصف التسعينات، لكننا سنصحو ذات يوم، بعد سنوات، على أصوات تفجيرات أخرى، ومشاهد جديدة لأعناق مذبوحة، وسنظل نهتف ونطلق الشعارات الحماسية ونبكى وننصب السرادقات ونتلقى العزاء ونضع الشارات السوداء ما دمنا نعصب أعيننا أمام الحقيقة.