أصحاب المصانع تفوقوا على الصين والهند وبنجلاديش ودول الخليج: هنا سر الصنعة

كتب: آية اشرف

أصحاب المصانع تفوقوا على الصين والهند وبنجلاديش ودول الخليج: هنا سر الصنعة

أصحاب المصانع تفوقوا على الصين والهند وبنجلاديش ودول الخليج: هنا سر الصنعة

لم يكن الأمر مجرد شارع أو ميدان، بل كان مزاراً سياحياً، أشبه بقطعة فنية ممزوجة بالمشغولات اليدوية وقطع الفضة والنحاس، وموديلات من «العبايات» الملونة والمختلفة، يأتيها العربى والغربى، حتى ثمانينات القرن الماضى، قبل أن تقوم حرب الخليج، وتتحول المزارات لمحلات اندثرث، منها المشغولات اليدوية والمنسوجات، وظلت «عبايات كرداسة» وحدها تزين الشارع السياحى، تاريخ طويل عاشته الصناعة، بين التأرجح والتطور، لكن لم تسقط تلك الصناعة التى رسخت مفهومها، وحافظت على مكانتها هنا وبالخارج، حتى بقيت «أصل العباية على مستوى العالم».

حكايات تكتب سيناريو، يرويها أبوالعزم البطاوى، أحد أقدم صُناع «العبايات» بكرداسة، حول الشارع السياحى وأصل الصنعة التى بدأت هنا وحاول تقليدها الغرب وظلت راسخة حتى اليوم: «القصة فى الصنعة».. بهذه الكلمات تحدث «البطاوى» لـ«الوطن»، موضحاً أن العباءة تميزت بتاريخ طويل وصناعة مصرية مرت بالكثير من التحديات التى خاضتها وانتصرت عليها وظلت راسخة.

مشوار ورحلة طويلة تمر بها «العباية» إلى أن تصل لأيدى الزبائن سواء المصريون أو العرب، تبدأ من جلب الأقمشة من المحلة الكبرى، مدينة الغزل والنسيج، قبل أن يأتى ساكنو المحلة للعيش بكرداسة، تبدأ مصانع كرداسة بقص الأقمشة وفقاً للموديلات المطلوبة، ومن ثم التطريز، وبحسب «البطاوى»: «كان الأول ماكينات التطريز موجودة فى المحلة والشرقية، وبعدها جبناها كرداسة وكان بييجى عمال المحلة والشرقية يشتغلوا عليها بالأسبوع فى كرداسة لدرجة إن زمان كان العامل ممكن يعمل ٥٠ جنيه فى اليوم الواحد، وبعدها يتم تقفيلها فى ورش كرداسة، وكيها وبيعها وتصديرها، اشتغلنا فى أقمشة الداكرون وبعدها قطن المراسى».

محاولات من دول الخليج لتصنيع العبايات بمصر قبل أن يعاودوا ويتركوا الفرصة لتجار وعاملى البلاد: «تجار وصناع الخليج نزلوا مصر وحبوا يطوروا العباية وفضلوا كده لحد سنة ٢٠٠٠، بعدها مشيوا، وبقينا إحنا ننظم معارض ونروح لهم ونصدر ليهم».. التأخر فى تطوير ماكينات التطريز كاد يسقط بهوية منتجات الشارع السياحى قبل أن يفيق أصحاب المصانع ويستعيدوا الريادة من جديد: «لحد قبل ١٠ سنين كان العمال بيشتغلوا يدوى على ماكينة الشنيط اليدوى، قبل ما نعرف ماكينات الكمبيوتر اللى عرفها قبلنا الغرب، وبدأوا يقلدوا عباياتنا بس فشلوا».

وتابع: «ماكينات الكمبيوتر اتعرفت قبلنا عند الصين والهند وبنجلاديش، ووقتها حاولوا يقلدونا، لأن عندهم المكن، وبدأوا يصدروا، لكن معندهمش القماش المصرى ولا الصناعة المصرية، فلما جبنا إحنا كمان ماكينات الكمبيوتر رجعنا تانى للخليج، لأن القماش المصرى أحسن من أى قماش تانى».

المكاوي: 99% من منتجاتنا بتتصدر للخارج.. ولو بعنا مليون هنا بنبيع 10 ملايين لدول الخليج

ولم تكن صناعة النسيج مجرد صناعة فى قرية تُدعى «كرداسة» فكانت أشبه بخلية النحل التى تجمع فيها أهالى القرى وأبناؤهم لترسيخ صناعتها، وفقاً لما ذكره حسن المكاوى، نجل صاحب أحد مصانع الشارع السياحى، يعود تاريخه لعقود طويلة، شهدته الستينات واستمرت حتى الآن: «مهنة بنورثها أباً عن جد، زمان بدأنا بالنول وصناعة السجاد، وكانت الستات بتساعد من بيتها، لكن اللى استمر العباية، من أول الغزل المصرى اللى كان بييجى من المحلة، لماكينات النسيج فى الشرقية والمصابغ، والعودة للموطن كرداسة للقص والتصميم والتطريز والتقفيل».

يرى «المكاوى» أن تصديرات الشارع السياحى أحد أهم مصادر إدخال العملة الأجنبية للبلاد: «٩٩٪ من منتجاتنا بتتصدر، لو بعنا مليون عباية هنا بنبيع ١٠ ملايين لدول الخليج».

تفاصيل كثيرة جعلت عبايات الشارع السياحى بكرداسة «أصل الجلابية على مستوى العالم»، بحسب ما وصفها سمير عطية، صاحب واحد من أشهر المصانع بكرداسة: «شغال فى العبايات من وأنا عندى ٦ سنين، ٨٠٪ من أهل كرداسة كبروا على الصنعة دى، وبقالى أكتر من ٣٠ سنة فى بطن المهنة عرفت مداخلها ومخارجها، وعبايتنا هى أصل الجلابية على مستوى العالم».

يرى «عطية» أن الخامات المصرية التى تصنع بها «العبايات»، والتصاميم المختلفة والمتنوعة التى تخاطب جميع الأذواق بالعالم هى سبب الريادة التى لم تتراجع على الإطلاق: «انقرضت مع مرور الوقت بعض المنسوجات والتحف اليدوية والمشغولات النحاسية، لكن فضلت العباية موجودة، أصل الجلابية، وده بسبب الخامات والتصميم، وإن الخليجى والمصرى بكل المحافظات والأجنبى عاوزها وبيلاقى ذوقه فيها».

ربما اندثرت حتى نسبة عمل السيدات فى المهنة لكن لم تندثر «العباية»: «كل حاجة بتختفى وتزول إلا العباية، الستات الأول كانت تشتغل فى الخرز والترتر، لكن دلوقتى أقصى عمل ليهم بعد التطور وانتشار الماكينات اقتصر على التنظيف والمكواة بنسبة ١٠%».

من قلب كرداسة بؤرة صناعة العبايات، لدول الخليج والبلدان العربية، سافرت «العبايات» وتخطت الخطوط الجوية، لتصبح واحدة من أهم الملابس المصدرة من مصر: «الخليج أول ناس بنصدر لهم، بنروح دايماً فى مواسم الإجازات، خاصة المعارض الدولية هناك والخليجية شبه المستدامة، غير اللى بتتقام كل سنة فى البحرين ودبى وعمان وغيرها من معارض دولية وداخلية».

ومن الخليج لدول أوروبا، ربما بات الاقتصار على شراء العبايات من قبَل سياح أوروبا، دون التصدير لها: «زمان كانت عباية كرداسة مطلب فى أوروبا، حالياً نسبة ضئيلة جداً بتيجى تاخد بالقطعة».

زيارات المشاهير لارتداء العبايات من أجل الدعاية

لم يقتصر الشارع السياحى بكرداسة على المترددين من أجانب أوروبا وتصديرات الخليج، بحسب «عطية»، بل امتد الأمر لزيارة المشاهير لارتداء العبايات من أجل الدعاية، أو للظهور بها فى بعض المشاهد والأعمال، وعلى رأسهن غادة عبدالرازق وعلا غانم وبدرية طلبة.

ورغم التاريخ الكبير لصناعة «العبايات» بكرداسة، فإن الأسعار دوماً فى متناول جميع الطبقات والجنسيات: «أغلى عباية تعدى الـ١٠٠٠ جنيه، وبتبدأ من ٧٠ جنيه، وبيختلف السعر حسب الجودة والخامة والتصميم»، مختتماً: «اخترنا التفرد والتميز وقررنا تكون كل عباياتنا بمقاس وتصميم واحد، لكن تطريزات مختلفة ومش عند حد».

وأكد إيهاب عبدالله، الذى يعمل بأحد مصانع العبايات بالشارع السياحى بكرداسة، عن مشاركته فى العديد من الدورات قديماً بأرض المعارض: «كان بيكون لينا مكان نعرض فيه منتجاتنا، ونعرّف السائحين وحتى للمصريين اللى ميعرفوش شغل ومنتج كرداسة، وفضلنا كده سنين طول فعاليات أرض المعارض».

من أرض المعارض المصرية للتصدير خارجياً، يرى «إيهاب» اهتمام الدولة لتسهيل التصدير: «دلوقتى مشاركتنا كلها فى معارض خارجية، بنصدر لكل الدول العربية، لما بنروح هناك كأنه عيد بالنسبة لهم لأن مفيش زى القطن المصرى، ولا المنتج والصناعة المصرية، وده مميزنا عن غيرنا».

 


مواضيع متعلقة