هل هزم نتنياهو في معركته القضائية؟

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

لا تزال الاحتجاجات الإسرائيلية متواصلة في عدة مناطق داخل إسرائيل، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمياً وقف خطة الإصلاح القضائي مؤقتاً.

وكان نتنياهو قد أعلن في مؤتمر صحفي عن وقف خطة الإصلاحات القضائية بشكلٍ مؤقت، حيثُ قال: إنّه من منطلق المسؤولية الوطنية والرغبة في منع الانقسام، قررت تجميد التشريعات القضائية، للوصول إلى إجماع واسع، لأنني لست مستعداً لتمزيق الشعب".

وأضاف: "بمسؤولية وطنية قررت تأجيل التصويت بالقراءتين الثانية والثالثة على التشريعات القانونية، وترحيل الامر إلى الكنيست القادمة".

غير أن الواضح أنه تحت وطأة الضغط الشعبى والحزبى فى اسرائيل، وتصاعد وتيرة المظاهرات التى اندلعت بشكل حاد منذ أكثر من شهر، أجبر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة على إعادة النظر فى التعديلات التى سيقدمها للكنيست لتغيير النظام القضائى برمته، خاصة أن جوهر هذه التعديلات يعنى أن قرارات المحكمة العليا فى اسرائيل، لن تبقى عليا أو مستقلة، حيث سيكون من حق الكنيست إبطالها، وهذا يعنى أن نتنياهو حتى لو صدر بحقه حكم قضائى فى قضايا الفساد المتهم بها، فسوف يتم إبطالها فى الكنيست، أو هكذا كان يعتقد ويعول عليه.

التراجع الذى بدا واضحا فى تصريحات نتنياهو لم يأت من فراغ، فبعض الأحزاب المتحالفة معه، بدأت ترى المشهد من زوايا مختلفة عما سبق، أولها: أنها ليست على استعداد لتهديد مستقبلها السياسى من أجل حماية شخص رئيس الوزراء، وثانيا: لأن الغضب الشعبى العارم فى اسرائيل امتد إلى جهازين حساسين فى اسرائيل وهما الجهاز العسكرى والأمنى، فبالنظر إلى ماصرح به الناطق باسم الادارة الامريكية من أن ما يجرى فى اسرائيل يهدد الجهاز العسكرى الاسرائيلى، فقد أصبح المشهد يبدو خطيراً ولأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973 وبات ينذر بمخاطر تهدد الوحدة الداخلية الاسرائيلية، كما يهدد درع اسرائيل الصلب، وهو الجيش والأجهزة الأمنية التى أصبحت تلعب دورا إقليمياً واسعا.

ومن واقع هذه الأسباب فقد بدأ التحالف الذى صاغه نتنياهو بعناية بالتفكك التدريجى، باعتباره لاعباً سياسياً محترفاً بامتياز، ومن هنا بدأت خطوات التراجع إلى الخلف، وربما برز هذا التراجع على أنه تكتيكى ومؤقت، لامتصاص غضب الشارع المتصاعد، لكن الأوساط السياسية والاعلامية ترى أن نتنياهو خسر المعركة فعلا، وهو لن يجازف ويخوض مثلها مرة أخرى، وعليه أن يجد طريقاً آخر للتملص من براثن النظام القضائى الذى يعتزم الاجهاز على مستقبله السياسى بالحكم عليه فى قضايا الفساد المتورط بها.

لكن هذا لا يعنى أن المشهد الحالى يعتبر تحول دراماتيكى فى اتجاهات الرأى العام الاسرائيلى؟ فالتحالف الواسع الذى شكله نتنياهو لا زال يمتلك نواة صلبة لن تتأثر بالتطورات الأخيرة، ولكنها أيضا لايمكنها أن تضمن لنتنياهو البقاء فى السلطة، بدون دعم أحزاب يمينية أخرى، لأن قاعدتها الشعبية متأرجحة، فهى من جهة تميل لدعم نتنياهو بسبب سياساته المتطرفة، فضلا عن ما قدمه لها من حصص فى الوزارات والأجهزة الحكومية، لكنها فى الوقت نفسه لا تقبل لهويتها اليمينية أن تنصهر فى إطار غير مقبول شعبياً، كما أنها لاتريد أن تربط مصيرها بمستقبل نتنياهو نفسه، ولعل أهم ما يواجه هذه الأحزاب الآن هو غياب شخصية بديلة لنتنياهو، يمكن الدفع بها إلى واجهة المشهد السياسى كمنقذ لاسرائيل من هذه الفوضى الشاملة، وفى الوقت نفسه فإن نتنياهو وحلفائه الأقرب بعد تلقيهم هذه الصفعة سواء من الشارع أو من الحلفاء وفى مقدمتهم الادارة الامريكية، باتت أولوياتهم الآن هى الحفاظ على التحالف الحكومى الواسع، فى الوقت الذى يمكن فيه الانتظار قليلا لايجاد مخرج من المواجهة بين نتنياهو والنظام القضائى.

وبالذات إذا ما تعلق الأمر بالجهازين الأمنى والعسكرى اللذين كان لهما دور مستتر فى الضغوط على نتنياهو، وبحسب صحيفتى وول ستريت جورنال الامريكية والجارديان البريطانية، فإن رئاسة الأركان الاسرائيلية قد خاطبت نتنياهو مباشرة لتحذره من عواقب تلك الفوضى التى أحدثها بهجومه على النظام القضائى، وتجاهله الفج لرأى الشارع والمؤسستين الأمنية والعسكرية، وهو ما أضعف موقف نتنياهو وعطل مخططاته، وإرغامه على التراجع حتى لو كان مؤقتاً كما يقول.

فإذا أخذنا بعين الاعتبار المشكلة التى تواجه المؤسستين العسكرية والأمنية الاسرائيليتين والتى وضعتهما فى موقف شديد التعقيد، خاصة بعد التقارب السعودى الايرانى الذى شكل صفعة على وجه اسرائيل، وقضى على حلم نتنياهو بقيادة تحالف إقليمى ضد إيران، الذى كان من شأنه أن يعزز التوجه الاسرائيلى الواضح لشن هجوم عسكرى على إيران لشل قدرتها النووية.