«الشبراوي» 57 عاما صنايعي رفة بالشرقية: الإبرة تهوى اللي يحبها

كتب: ياسمين عزت الرزاز

«الشبراوي» 57 عاما صنايعي رفة بالشرقية: الإبرة تهوى اللي يحبها

«الشبراوي» 57 عاما صنايعي رفة بالشرقية: الإبرة تهوى اللي يحبها

في محل هادئ الأجواء بمدينة الزقازيق، ألوانه وبساطته تمنحك الراحة، يجلس رجل في مقدمته، في أواخر الستينات من العمر، يجلس برشاقة واضعا إحدى ساقيه على الأخرى، مستندا إلى كرسي خشبي، يصب اهتمامه وتركيزه مع إبرة دقيقة تكاد لا تُرَى بالعين المجرّدة، يغزل الخيط ثم ينسِج في قطعة ملابس، واضعا إياها نصب عينيه، بعدما غزل نسيجها، لتعود إلى سابق عهدها دون عيوب.

التقت «الوطن»، أحد حرفيي محافظة الشرقية، يدعى «عادل الشبراوي»، 68 سنة، أب لـ4 أبناء بينهم ولد، من قرية هرية رزنة، ويعمل صنايعي رفّة منذ أكثر من 57 عاما، إذ بدأ مشواره المهني في عمر 11 عاما.

اختار «الشبراوي» العمل في الحرفة حبّا وشغفا بها، وكان والده وجدّه يعملان بحرفة «الترزي»، «اخترت الرفّة ومحبتش صنعة الترزي، ورحت تدربت في محل صنايعي وكنت طفل وقتها»، هكذا يقول.

«إبرة الرفة» تصلح عيوب الأقمشة

ويضيف «الشبراوي»، أنه عندما لجأ لتعلّم حرفة الرفة، كان عليه تلقي عدة قواعد من معلّمه، أولها أن التعليم في الصغر كالنقش كالحجر، فعلى من يسعى للتعلم لا بد أن يكون طفلا، كما يجب عليه أن يستطيع أن يمسك الإبرة بمهارة، ومهما كان سمكها فهي إبرة غاية الدقة، على خلاف إبرة الخياطة العادية، وعليه التمييز بين أنسجة الأقمشة ليستطيع أداء عمله بحرفنة، كما يجب أن يضع ساقا على ركبة للفرد ظهره ولا يتقوس، ومن هنا يصبح «حرفي» بعد تعلم الأساسيات، والحرفة تعتمد على غزل النسيج من ذات الخامة ثم نسجها بطريقة تداوي عيوب التلف بالملابس.

الشباب يهربون من الرفة

ويسترجع حرفي الرفة عادل الشبراوي، خلال حديثه، أيام زمان عندما بدأ احتراف الصنعة، إذ كان أربابها كثرا ومتواجدين بأعداد كبيرة في المراكز والمدن، لافتا إلى أن صنايعي الرفة أصبح عملة نادرة حاليا، «مبقاش فيه ناس بتتعلمها وأصحاب الكار ماتوا والشباب بتهرب منها وعاوزين مكسب سريع وسهل»، مؤكدا أنه يغزل وينسج كل خيط بحب وفن وإبداع وإلا لما استمر فيها كل هذه السنوات، «أنسج الخيط كما لو كنت عازفا استمتع بالألحان، والرفة تحب اللي يهواها».

تصليح ونسج الأقمشة بالرفة

بدأ «الشبراوي» عمله في وقت كان يصلح فيه عيوب الملابس بقروش وصاغات معدودة، إلى أن تقدم به العمر وأصبحت كحد أدنى للقطعة 10 جنيهات بينما أغلى سعر للقطعة قد يصل 200 جنيه، على أن يكون تقدير الثمن للتصليح حسب خامة القماش، لافتا إلى أنه منذ أكثر من 30 عاما كانت الحرفة لها زبائن كثر، كما كان الزبائن لا يمتلكون كم هذه الملابس التي يملكها الناس هذه الأيام، فكانوا يلجأون لتصليحها بالرفة.

صنايعي رفة منذ أكثر من نصف قرن

تغيرت أشياء كثيرة خلال السنوات الماضية، مثل تطورات الزمن واحتياجات الناس، وكذا عزوف الكثيرين عن الحرفة، إلا أن «الشبراوي» ظل متمسكا بصنعته شغوفا بها كما أنها ما زالت مصدر رزقه الوحيد، وهي ما كوّن نفسه من مدخراته منها وزوج أبناءه منها، لذا يأتي من قريته كل صباح عدا الجمعة، ليفتح باب الرزق في التاسعة صباحا ويعود إلى منزله في الحادية عشرة مساء، «بقضي اليوم كله في عملي والحمدلله هي ونيسي، وما أزهقش منها، ويوم الأجازة بكون في ملل، إلا لو زرت أهلي وأصحابي».

الرفة علمته الصبر والهدوء

اكتسب العم عادل الشبراوي صنايعي الرفة، وفق حديثه لـ«الوطن»، بعض الصفات خلال سنوات عمله، إذ تعلم الصبر والهدوء والتركيز، فقطعة الملابس تستغرق ساعات رغم صغر مساحة الأنسجة التالفة متناهية الصغر، فكان عليه التعامل دون انفعال أو ملل وإلا لم يكن جديرا بالعمل بها، «شفت زباين أشكال وألوان، البخيل والكريم واللي مستكتر ثمن التصليح وبيفاصل، وبيهون عليا اللي بيعجبه شغلي ويفهم إنها مفيش ماكينة خياطة بديلة لغرز إيدينا».

الحرفة علمتني أعرف ابن الأصول

ويختتم «الشبراوي» حديثه بتأكيد أنه أقدم محترفي الرفة، ولم يبق سوى 4 صنايعية تقريبا في الزقازيق، لافتا إلى رغبته في أن يتعلمها أشخاص جدد يتحلون بالصبر ولديهم الشغف، مؤكدا أنها حرفة حصادها طيب، فقد علمته أمورا كثيرة، «كفاية إنها عرفتني مين ابن الأصول وأميزه، لأن ورد عليا كل فئات الناس من فقير وغفير ووزير، والأخلاق في التعامل بتبين معادن الناس»، حسب قوله.


مواضيع متعلقة