«التوك التوك» يتحدى الحكومة بعد عام من «حظر الاستيراد»

«التوك التوك» يتحدى الحكومة بعد عام من «حظر الاستيراد»

«التوك التوك» يتحدى الحكومة بعد عام من «حظر الاستيراد»

أحد عشر شهراً مرت على قرار حكومة حازم الببلاوى حظر استيراد «التوك توك» لاعتبارات متعددة على رأسها الأمن، إلا أن الوضع باق على ماهو عليه، ليظل «التوك توك» أحد أبرز مظاهر الاقتصاد العشوائى المتضخم، وأحد العوائق الرئيسية أمام جهود الحكومة للسيطرة على منظومة دعم الوقود، والأهم أنه أصبح خطراً على سوق الحرف، بعد أن بات الشباب الصغير يهجرها مفضلاً الدخل السهل والمرتفع لـ«التوك توك» الذى لا يعرف أى مسئول فى مصر أعداده فى الشوارع على وجه الدقة. التجار -أحد الأطراف المتضررة من قرار الحظر- كشفوا عن تراجع معدلات بيع «التوك توك»، وقال غريب عبدربه رئيس شعبة الدراجات والموتوسيكلات بالغرفة التجارية للقاهرة، إن هناك تراجعاً كبيراً فى بيع «التوك توك» فى السوق المحلية، بسبب المخاوف التى تنتاب العملاء من أى إجراءات حكومية ضد مالكى «التوك توك». ولفت إلى أن القرارات المتعاقبة ضد أصحاب «التوك توك» أدت إلى مخاوف لدى العملاء ومستخدميها، ومن ثم أرجأوا قرارات الشراء لحين وضوح الرؤية حتى لا يتكبدوا خسائر كبيرة. وأضاف «عبدربه» أنه نظراً لعدم السماح لأصحاب «التوك توك» بترخيصه، فلا توجد إحصاءات رسمية حقيقية بأعداده، حيث تشير الأرقام غير الرسمية إلى وجود نحو 4 ملايين «توك توك» فى مصر، استناداً إلى أن حجم الاستيراد السنوى من 2010 وحتى قرار وقف استيراده نحو مليون «توك توك»، فيما تقدر مصادر أخرى العدد بنحو 7 ملايين، استناداً لحجم التهريب والتصنيع المحلى بسبب زيادة الطلب عليه فى المناطق الشعبية والشوارع الضيقة والقرى والنجوع.[FirstQuote] وأوضح «عبدربه» أن السوق متشبعة حالياً من «التوك توك»، وأن «التوك توك» الواحد يوظف 4 أشخاص، ويتم استئجاره مقابل 50 جنيهاً فى 8 ساعات، ويوفر لصاحبه نحو 100 جنيه يومياً، حيث تصل تعريفة الركوب المتعارف عليها إلى 2 جنيه للفرد فى أغلب المناطق و20 جنيهاً فى المناطق البعيدة والنائية. وطالب «عبدربه» بالتشديد على المنافذ الجمركية لمنع دخول «التوك توك» تحت مسميات أخرى، لافتاً إلى أن عدداً قليلاً من رجال الأعمال يسيطرون على استيراد وتجميع «التوك توك»، على رأسها مجموعتا سعودى وغبور وكيل شركة «باجاج الهندية» فى مصر، التى تستحوذ على 95% من حجم سوق «التوك توك»، الذى يقدر بنحو 3 مليارات جنيه فى مصر. وقال إبراهيم على، صاحب محل لبيع «التوك توك» بالجيزة: إذا فكرت الحكومة فى تفعيل القرار فانتظروا ثورة للجياع، فلا يمكن الاستغناء عنه، لأن قطاعاً كبيراً من الشباب من حملة المؤهلات العليا يعملون على «التوك توك» لعدم وجود وظائف، وأشار إلى أن العمر الافتراضى لأى «توك توك» هو 3 سنوات، وقال إن حركة بيعه تقلصت، خاصة أن هناك مخزوناً كبيراً لدى الشركات بعد هوجة الاستيراد. المستثمرون من جانبهم قالوا إن «التوك توك» أصبح فى قفص الاتهام وتحول من مصدر رزق إلى أحد العناصر الأساسية فى الكثير من الأعمال الإجرامية. واعتبر محمد جنيدى نقيب المستثمرين أن «التوك توك» من مظاهر الفوضى السائدة فى مصر منذ ثورة يناير، ويعتبر مثالاً حياً على عدم قدرة الحكومة على اتخاذ القرار وعدم وجود إرادة سياسية أو رؤية واستراتيجية، خاصة أن الحكومة لديها مخاوف دائمة من اتخاذ القرار المناسب أهمها الإضرابات والاعتصامات وإشاعة الفوضى مرة أخرى، خاصة أن نحو 2 مليون أسرة يعتمدون على «التوك توك» كمصدر رئيسى لرزقهم. وأوضح نقيب المستثمرين الصناعيين أن استيراد «التوك توك» يؤثر على نحو 12 مصنعاً محلياً فى صناعة الدراجات البخارية بالسلب وعلى حجم مبيعاتها، كما أن الانتشار الواسع لـ«التوك توك» فى شوارع الأحياء الشعبية والريفية دون لوحات معدنية أدى لانتشار معدل الجريمة وصعوبة تحقيق الأمن والأمان للمواطنين. وطالب أيمن رضا، أمين عام جمعية مستثمرى العاشر من رمضان، بضرورة حظر استيراد «التوك توك» لمصر، ووضع شروط صارمة لقيادته، منها أن يكون السائق يبلغ من العمر 21 سنة، ومؤدياً الخدمة العسكرية وعدم سيره فى الشوارع الرئيسية واقتصاره على الشوارع الداخلية فقط فى المناطق الشعبية والريفية دون الخوف من إضرابات أصحابه أو الاعتصامات. وقال رضا إن دخول «التوك توك» مصر خطأ من البداية، ويجب ألا تتمادى الحكومة فى هذا الخطأ حيث أصبحت قيادته متاحة للأطفال دون ضوابط. وتباينت آراء الاقتصاديين حول «التوك توك»، ما بين مؤيد ورافض، وأكد الخبير الاقتصادى، يسرى عبدالوهاب، أن «التوك توك» ظاهرة سلبية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بانتعاش تجارة الوقود بالسوق السوداء، وقال إن أصحاب التاكسى والميكروباص، يسددون ضرائب سنوية للدولة، بسبب ما يحصلون عليه من بنزين مدعم، وخدمات طريق، ومرور، وغيرها، بعكس «التوك توك»، الذى لا يسدد أى مستحقات ويحصل على البنزين المدعم دون وجه حق، مطالباً الحكومة بحظر انتشاره فى الشوارع الرئيسية والميادين العامة، بدعوى إسهامه فى أزمة مرورية خانقة تدفع الدولة خسائرها، فضلاً عن تشويهه المنظر العام، مشدداً على ضرورة ترخيص «التوك توك» خلال 6 أشهر، وإدراج قائديه على قاعدة بيانات مستحقى الوقود بنظام الكروت الذكية، للحيلولة دون انتعاش الوقود بالسوق السوداء. فى المقابل، حذر الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، من مغبة اتخاذ الحكومة قراراً بوقف استيراد «التوك توك»، مؤكداً أن قطاعات واسعة من الشباب تعمل من خلاله، إضافة إلى من يعولونهم من الأسر، وقال: لا مانع من تقنين الظاهرة بما لا يضر بالحكومة أو بالمجتمع، الذى تنتمى إليه تلك الفئة العاملة، مشيراً إلى وجود ملايين يعملون فى هذه المهنة، ولا يعرفون سواها، مطالباً بدعم أصحاب «التوك توك» ودفعهم نحو تقنين أوضاع مركباتهم بدلاً من إرهابهم أو اتخاذ قرارات تعسفية حيالهم. واعتبر الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها، أن «التوك توك» وسيلة نقل توفر للمواطنين الوقت والجهد وفرص العمل لكثير من الشباب فى ظل تنامى معدلات البطالة، مؤكداً أن اتخاذ قرار حظر استيراد «التوك توك» أو شن حملات مرورية لمصادرته ليس بحل للمشكلة، وإنما بتقنين تلك المركبات واستخراج تراخيص وكروت ذكية للوقود لأصحابها، بدلاً من مواجهتهم، لا سيما أن ملايين الأسر يعتمدون عليه كمصدر دخل لهم، مطالباً الحكومة بضرورة التعامل مع أزمة «التوك توك» بشكل جدى، نظراً لأنه يمثل قطاعاً مجتمعياً يحتاج إلى الدعم لا المواجهة. للقضية جانب آخر يتعلق بكون «التوك توك» صار مصدر حياة بديلاً لأسر كثيرة.. «كل قطاع فى مصر يقرر حده الأدنى للأجور بعيداً عن الحكومة»، هذا ما يؤكده العاملون فى قطاع المقاولات من أن الحد الأدنى «الحكومى» لا يناسب حتى الأطفال فى مجال عملهم، فالأجر اليومى للعمالة صغيرة السن، التى تتراوح بين 12 و20 عاماً، يتراوح بين ٥٠ جنيهاً و٨٠ جنيهاً، حسب صالح أبوزيد مقاول حر، الذى يؤكد أن هذه اليومية توفر ٢٤٠٠ جنيه شهرياً للطفل العامل، بما يعادل ضعف الحد الأدنى للأجور الذى تحاول الحكومة تطبيقه لإرضاء عمالها. صالح قال إن ظهور «التوك توك» كأداة للكسب السريع دفع أغلب الصبية للعزوف عن الالتحاق بالورش ومواقع العمل لتعلم حرفة يتكسب منها قوت يومه، والهرب إلى قيادة «التوك توك» «الأكثر رفاهية» لسهولة قيادتها وعدم تقيدها بسن محددة أو الحصول على تراخيص، بالإضافة لارتفاع مكسبها اليومى، وهو ما يؤكده تامر عزوز، سائق «توك توك»، قائلاً إنه ترك مهنة والده فى تجارة الأسماك لأنها لم تعد تفى بمتطلبات حياته اليومية، «باكسب فى الوردية الواحدة من «التوك توك» ١٠٠ جنيه ما يساوى 3 آلاف جنيه شهرياً»، قيادة «التوك توك» لا تكبد تامر مشقة كبيرة كما يحدث فى أعمال البناء والمقاولات ما جعله يتساءل «لماذا أترك مهنة ذات عائد كبير وأذهب للمشقة وتعب القلب والعائد الضئيل؟!».