مطران المنوفية: اصطحبني معه وجهز القلاية ورسَّمني راهبا في دير الأنبا بيشوي

مطران المنوفية: اصطحبني معه وجهز القلاية ورسَّمني راهبا في دير الأنبا بيشوي
أكد الأنبا بنيامين، مطران المنوفية، أن البابا شنودة صاحب فضل عليه كأب، وقام برسامته راهباً يوم عيد ميلاده فى عمر 26 عاماً
، واصطحبنا معه وجهّز القلاية ورسمه راهباً فى دير الأنبا بيشوى.
وأكد الأنبا بنيامين، فى حوار لـ«الوطن»، أن البابا كان يقوم بإحضار شكاوى الشعب فى شوال كبير ويطلب منا دراستها، مشيراً إلى أنه كان واحداً من الأساقفة الذين حُبسوا فى عهد السادات وخرج بعد شهرين بحكم المحكمة، وليس بعفو رئاسى.. وإلى نص الحوار:
الأنبا بنيامين: كان يقوم بإحضار شكاوى الشعب في شوال كبير ويطلب منا دراستها
متى كان اللقاء الأول مع البابا شنودة قبل الرهبنة؟
- أول مرة قابلت البابا كانت فى بدايات 1972، وكنت وقتها خادماً فى إحدى كنائس الإسكندرية، وجاء البابا إلى المرقسية وطلب لقاء مسئولى الخدمة، وتحدّث معنا عن روح الخدمة، والبذل والتضحية والعطاء، وإدراك قيمة النفس البشرية، وكان لقاءً ممتعاً.
ثم التقيت البابا مرة أخرى لكن فى لقاءات خاصة، وكنت وقتها قد أنهيت تكليفى كمهندس كهرباء خريج كلية الهندسة، وكان السبب فى دخولى سلك الرهبنة.
كيف أثّر البابا شنودة فى حياتك لدخول سلك الرهبنة؟
- بعد انتهاء تكليفى وعملى كمهندس كهرباء، توجّهت إلى أب اعترافى، وتحدّثت معه عن الرهبنة، وكان رأيه أن تتم رسامتى كاهناً، لكن صوت ربنا كان بأن طريقى هو الرهبنة، وخلال شهرين سوف أكون فى الدير، وعندما اختلفنا، قال أب اعترافى «طالما اختلفنا نحتكم لأسقف المدينة»، ولأن الإسكندرية تتبع البابا شنودة، فقد حدّدنا موعداً معه.
التقينا البابا فى جلسة خاصة مع أب اعترافى، استمع إلينا، ليكون قراره لأب اعترافى «إن طريقى هو الرهبنة»، وسألنى عن الدير الذى أرغب فى الذهاب إليه، فأخبرته باسم الدير، فقال لى «مش هترتاح فيه»، ورشّح لى دير القديس العظيم الأنبا بيشوى، ونلت بركة بداية تعمير الدير فى بداية عهد البابا شنودة.
وعندما تحدّد موعد دخولى الدير، قام البابا بإيصالى إلى الدير بسيارته الخاصة، وتم تجهيز القلاية، لذلك البابا شنودة صاحب فضل عليّا كأب، وبعد 4 أسابيع قام برسامتى راهباً، وكان يوم عيد ميلادى بالجسد فى عمر 26 عاماً.
وقبل الرسامة عارض والدى الأمر، خاصة أننى «ولد وحيد» لأسرتى، لكن البابا شنودة التقى بهم وتحدث معهم وأخبرهم أنه سيكون لى شأن كبير.
البابا شنودة صاحب فضل عليّ كأب وقام برسامتي راهبا يوم عيد ميلادي في عمر 26 عاما
ماذا عن ذكريات رسامتك أسقفاً؟
- بعد رهبنتى بعام، حاول البابا شنودة أن يقوم برسامتى للأسقفية على أحد الأماكن، فأرسل مع أحد الآباء يسألنى، فكان ردى «أنا بقالى سنة بس فى الدير ماشبعتش من الرهبنة»، ثم فى العام التالى كلفنى بأن أكون أحد أفراد السكرتارية بكنيسة الأنبا رويس، وظللت فى الخدمة لمدة 100 يوم، وكان يقوم وقتها بإحضار شكاوى الشعب «فى شوال كبير» ويطلب منا دراستها ومعرفتها، ثم عرضها عليه، وبعد 3 شهور عرض علىّ الأسقفية مرة أخرى، لكننى رفضت مرة أخرى، وأخبرته عن رغبتى فى تعمير دير البراموس فوافق.
وتوجّهت عام 1975 إلى دير البراموس، وظللت هناك لمدة عام واحد فقط، ثم جاء وقابلنى مع الأنبا أرسانيوس، وجلس معنا 6 ساعات يحدّثنا عن الأسقفية وخدمة الشعب، وانتهى الأمر برسامة الأنبا أرسانيوس على المنيا، وتم اختيارى على محافظة المنوفية، وكان يوم الرسامة يوافق عيد العنصرة ويوافق العيد الرسمى للمحافظة فى 18 يونيو 1976، وكنت أبكى بكاءً شديداً، حتى إن البابا شنودة أشفق على حالتى، وتم تجليسى فى 31 أغسطس من العام نفسه.
ما أهم النصائح الشخصية التى وجّهها البابا شنودة للأنبا بنيامين؟
- كان هناك الكثير من التعبيرات التى يوجّهها باستمرار، أغلبها يتمحور حول «الشعب»، فهم أهم من أى شىء آخر، ويؤكد أن الأسقف إذا تعب ارتاح الشعب والعكس صحيح.
الأمر الثانى الذى علمنا إياه هو الوداعة، فكان يقول «الوداعة تربح كثيراً.. ورابح النفوس حكيم»، وهى جملة تعنى أن الشخص الهادئ والوديع يكسب الشعب ومحبته.
وعندما توليت الإيبارشية كان حالها صعباً من حيث الإكليروس وعدد الكنائس والكهنة، وقد عمل الله على أيدينا الكثير من حيث عدد بناء الكنائس ورسامة الكهنة والأبنية الخدمية.
المنوفية إيبارشية عريقة تأسّست فى القرن الثانى الميلادى، وكانت أعداد الأسر القبطية قليلة، والآن أصبحت نحو ١٧ ألف أسرة، واستطعت فى عهد السادات بناء ٣ كنائس، ثم بعد ذلك حصلنا على تراخيص بناء عدد كبير من الكنائس، أما حالياً فحن نعيش فى العصر الذهبى، فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يؤمن بإنشاء مقرات العبادة لجميع الأديان، ويسأل عن مكان إقامة الكنيسة، كما يسأل عن المسجد.
عاصرت فترة الخلاف بين الرئيس أنور السادات والبابا شنودة، والتى أدت إلى عزله بدير الأنبا بيشوى 40 شهراً، كيف كانت هذه الفترة؟
- بدأ الخلاف بين البابا شنودة والرئيس أنور السادات مع بداية فترة الثمانينات عندما اشتدت عمليات الهجوم على بعض الكنائس، وكان البابا حازماً فى التعامل، مما أدى إلى الخلاف بينهما، وكانت نتيجته عزل البابا فى دير الأنبا بيشوى والقبض على بعض المطارنة والأساقفة، وكنت واحداً من الأساقفة الذين حُبسوا، لكننى خرجت بعد شهرين، عندما ترافعت عن نفسى بالمحكمة، قائلاً: «إننا رجال دين ونشر المحبة والتسامح هو رسالتنا»، وحصلت على البراءة، وكنت الوحيد الذى خرج بحكم من المحكمة، بينما الآخرون خرجوا بعفو رئاسى.
وبعد الإفراج عنا تم ترحيلنا إلى الدير، وهناك التقيت البابا شنودة الذى داعبنى قائلاً «أهلاً مطران بلدنا»، وبكيت بكاءً شديداً فى ذلك اليوم، ثم توالت الشهور، حتى عودة البابا إلى الكرسى المرقسى مرة أخرى.
الوداع الأخير
يوم 17 مارس عام 2012، كنت مرتبطاً بموعد محاضرات عن اللاهوت الطقسى بالكلية الإكليريكية ببورسعيد، ثم تلقينا اتصالاً بانتقال البابا، فعُدنا إلى الكاتدرائية، وحاولنا الدخول إلى المقر البابوى، لكن بسبب تجمع الشعب أمام الكنيسة استغرقنا وقتاً طويلاً حتى وصلنا. وخلال الأيام الثلاثة لإلقاء نظرة الوداع على البابا شنودة لم تكن الدموع تتوقف على فقدان الأب، وقد قام الأنبا باخوميوس الذى تولى قائمقام وقتها بإلقاء خطاب يعبّر عما بداخلنا: «لا تكفى الكلمات للتعبير عن هذا المحبوب، الذى ودّعنا فى وقت صعب، ونحن نطلب صلواته».