حكاية مسجد «سيدي طلحة التلمساني» بكفر الشيخ.. تعرف على قصة بنائه

كتب: مصطفى عنز

حكاية مسجد «سيدي طلحة التلمساني» بكفر الشيخ.. تعرف على قصة بنائه

حكاية مسجد «سيدي طلحة التلمساني» بكفر الشيخ.. تعرف على قصة بنائه

تزخر محافظة كفر الشيخ بالعديد من المعالم الإسلامية الهامة التي ترجع إلى العديد من العصور المختلفة، ويُعد مسجد «سيدى طلحة التلمسانى»، وضريحه الموجود بالمسجد مُنذ مئات السنين، أهم هذه المعالم.

قصة إنشاء المسجد

مرّ مسجد «سيدى طلحة» بعِدة مراحل، حيث كان في البداية بسيطاً، ففي عصر الدولة الأيوبية جاء أحد الأمراء للتبرك به، حسب الروايات المُتداولة، وكانت ابنته تُعاني من الشلل في قدميها، وحينما قصَّ حكاية مرض ابنته على الولي «طلحة» قال له الولي الصالح: «ارجع إلى بيتك وستجد ابنتك تقف على قدميها»، فوعده ببناء مسجد ومقام له في المكان الذي يُقيم به إن صدق قوله، ثم عاد الأمير فوجد نبوءة الشيخ قد تحققت، وأن ابنته تعافت وأصبحت تقف على قدميها، فعاد إلى الشيخ «طلحة» وبنى له المسجد والمقام.

وبعد وفاة «سيدي طلحة» أصبح المسجد القديم نواة للمسجد الحالي الذي كان قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952م موكولاً على بعض الخيرين، حيث كان عبارة عن مسجد صغير بجواره الضريح، وتم ضمه بعد ذلك إلى وزارة الأوقاف، ومنذ عام 1952م لمسته يد الثورة فأعدت له مشروع توسيع وتجديد، حيث كانت المنطقة التي تُحيط بالضريح عبارة عن جبانات ومدافن لكن تم نقلها وأُقيمت منازل بجوار الضريح.

وفي عام 1993م اُعيد بناء وتوسعة المسجد من جديد، وإجراء تطوير شامل للمسجد والميدان الواقع أمامه، وتم إدخال دورة المياه القديمة ضمن التوسعة، وإنشاء مئذنتين جديدتين، ليُصبح المسجد يضم أربع مآذن، فضلاً عن إنشاء قُبة جديدة فوق الضريح، وتوالت بعد ذلك التطورات داخل المسجد فتم إنشاء قاعة للزوار، ومكتبة إسلامية كبيرة بداخله، وبناء مُستوصف طبى فوق المسجد، وتم عمل مُصلى للسيدات بداخله، بالإضافة إلى إنشاء دورة مياه جديدة مُنفصلة عن المسجد، وقامت وزارة الأوقاف بفرشه بالسجاد وتجهيزه، وأصبحت مساحة المسجد الآن بعد هذه التطورات 2.000م2، كما تم مؤخراً توسعة ميدان «سيدي طلحة» بمدينة كفر الشيخ، بالشكل اللائق، وتم تنظيم الميدان.

وعلى مدى العصور كان الحكُام القُدامى يأتون إلى المسجد للصلاة فيه والتبرك بالمقام، كما أن الكثير من الناس كانوا يأتون أيضاً من حين إلى آخر لزيارة المسجد وصاحب المقام، فى حين يتولى مُحبوه إطعام كل هذه الأعداد، ويُقيمون الخيام لإطعام الفقراء والوافدين من بلاد بعيدة.

المسجد ما زال يحظى بشُهرة كبيرة، وشهد زيارات كثيرة لبعض الرموز الدينية الكبيرة منهم إمام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوي، والدكتور أحمد عمر هاشم، وغيرهما، فضلاً عن كبار مشايخ المغرب، وبعض من المشايخ التى تنحدر من أصل «سيدى طلحة» يأتون من المغرب لزيارة المسجد، حيث أن المكان له روحانية عند بعض الناس تجعلهم يتوافدون على المسجد وزيارة الضريح بشكل مُستمر.

من هو العارف بالله سيدي طلحة التلمساني؟

وبحسب المشيخة العامة للطرق الصوفية بمحافظة كفر الشيخ، فإن العارف بالله سيدى طلحة التلمسانى، اسمه بالكامل طلحة بن مدين بن شعيب أبو مدين الغوث التلمسانى بن محمد بن عمر عبيد المغربى الفاسى التلمسانى «جد العمريين الحسينيين» بن على المغربى الفاسى بن الأمير عثمان بن الحسين الأنور الفاسى المغربى بن محمد أبو نمى بن أبى القاسم موسى الأشهب الجونى بن يحيى الصوفى بن عيسى بن على التقى النقى الأصغر المنتخب «جد التقويين» بن محمد المهتدى بن الحسن على المنتخب الخالص بن جعفر الزكى «أخيه الإمام الحسن العسكرى وعم الإمام محمد المهدى» بن الإمام على الهادى بن الإمام محمد الجواد بن الإمام على الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين على السجاد بن الإمام الحسين بن الإمام على بن أبى طالب والسيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

ويُعد «سيدى طلحة»، أحد عُلماء أهل السُنة والجماعة ومن أعلام التصوف السُنى فى القرن السابع الهجرى، وقد قدم إلى مدينة كفر الشيخ فى مصر من المغرب عام 600هـ - 1203م، والتى سُميت بذلك نسبة إليه، وكان تقياً ورعاً عرف الناس فضله فعملوا على إنشاء مسجده الذى كان فى البداية زاوية ومُصلى صغيراً، وقد تم بناء وتوسيع المسجد عبر التاريخ.

تقول روايات الصوفية، إن سيدى طلحة التلمسانى بعد أن قطع مسافة كبيرة قدم فيها من المغرب حتى وصل إلى الشام ثم استقر بمصر، قبل نحو أكثر من ثمانية عقود، كان «سره» لا يزال مخفياً عن الجميع، فى البداية حط فى «الفسطاط» بالقاهرة، وكان الناس فى هذا المكان مولعين بالعلم والعلماء، ومسجد عمرو بن العاص يعج بالأولياء الصالحين، ونشاط محموم داخل المسجد الفسيح، وحلقات تدريس وذكر لا تنقطع، هكذا كانت الحياة فى هذا الزمن، لكنه بعد أن أدى إحدى صلوات العيد فى ذلك الوقت جلس بهدوء على مائدة طعام على شاطئ النيل وكان مشغولاً بكتابة آيات قرآنية على قصاصة ورق، بينما كانت تأتى سفينة تابعة للقوات الرومانية من أعلى النيل لتُفسد فى الأرض، وكان الجميع خائفاً منها بينما هو التزم الهدوء، ثم أشار بيده وهو مُمسك قصاصة الورق ليقلبها فتنقلب السفينة وينكشف السر أمام الجميع. 

وتُضيف الروايات، أن والده سأله سؤاله الشهير: «لمَ فعلت هذا؟» ليرُد «طلحة»: «إنهم أعداء الله تعالى وأعداء الدين»، ليقول له والده: «ارحل عن هذا البلد واركب جوادك، وخُذ معك زوجتك، وعندما يقف جوادك فانزل واعلم أن هذا مقامك، فتمكن منه وانشر العلم والدين»، واستجاب «طلحة» لوالده وركب جواده ومعه زوجته ووقف الخيل عند تبة مرتفعة قليلاً تُسمى «دميلقون» -كفر الشيخ حالياً- ليرفض الخيل أن يتحرك من هذا المكان، فنزل والتف حوله الناس لما ظهرت عليه من بركات.

عاش «الشيخ طلحة»، فى كفر الشيخ نحو 31 عاماً، وقد كان لهذا الشيخ الكثير من البركات، لذلك أقام له أهل القرية ضريحاً حمل اسمه، وعُرفت من يومها هذه القرية باسم كفر الشيخ طلحة «حيث تعنى كلمة كفر القرية»، وقد اهتم بهذه القرية الملك فؤاد الأول وحول اسمها من كفر الشيخ إلى الفؤاديّة وذلك كان عام 1949م، ومع قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م اُعيد تسمية القرية باسمها الأول ولكن مع حذف كلمة طلحة اختصاراً للإطالة، ومازالت حتى الآن معروفة باسم كفر الشيخ.

تُوفي «سيدي طلحة التلمسانى» يوم الخميس الموافق 15 رمضان عام 631هـ - 1234م عن عُمر يُناهز 67 عاماً، ودُفن بنفس المُصلى، حيث ضريحه الحالى فى مدينة كفر الشيخ، ويُقام احتفالاً بمولده الكبير فى خريف كل عام، حيث تتوافد وفود السياحة الدينية من مُختلف أنحاء الجمهورية، وبعض الدول العربية، والإسلامية وخاصةً دولة المغرب مسقط رأس القطب الصوفى الكبير.

باحث أثري: مسجد العارف بالله سيدي طلحة أبي سعيد بن مدين التلمساني يُعد من أهم وأقدم مساجد محافظة كفر الشيخ

ومن جانبه، أكد الباحث الأثري الدكتور إبراهيم ماضي، لـ«الوطن»، أن مسجد العارف بالله سيدي طلحة أبى سعيد بن مدين التلمسانى يُعد من أهم وأقدم مساجد محافظة كفر الشيخ التى سُميت على اسمه وهي «كفر الشيخ طلحة» أي «المكان الذي نزل وأقام به الشيخ طلحة التلمساني»، وحُرفت بعد ذلك إلى كفر الشيخ وهو الاسم الحالي لمدينة كفر الشيخ عاصمة المحافظة، لافتاً إلى أنه المسجد مرّ بعِدة مراحل، حيث كان في البداية بسيطاً، في عصر الدولة الأيوبية، ثم تم تطويره عقب قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م، وفى عام 1993م اُعيد بناء وتوسعة المسجد من جديد.

وذكر «ماضي»، إنه يتم إقامة مُعظم الاحتفالات والمُناسبات الدينية بالمسجد بحضور كبار المسئولين، والتنفيذيين والشعبيين بالمحافظة، وسبب تسميته بهذا الاسم يرجع إلى العارف بالله سيدى طلحة أبى سعيد التلمسانى الذى دُفن فى هذا المسجد عام 631 هجرية.


مواضيع متعلقة