مذكرات سعاد حسني الكاذبة

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

فى أكتوبر من عام ١٩٩١ كان افتتاح سينما ليدو بوسط القاهرة، وقد عرض فيلم «الراعى والنساء» للمرة الأولى فى هذه المناسبة، كانت تلك هى أول مرة وآخر مرة أشاهد فيها أشهر وأعظم ممثلة سينمائية فى تاريخ مصر، وهى الراحلة سعاد حسنى، ظهرت على المسرح بفستان أحمر اللون وقدمت الفيلم بكلمات بسيطة، بعد العرض الذى حضره فنانون ونقاد وصحفيون ومسئولون كبار، كان البعض ما زال يكمل أحاديثه أمام السينما، حتى فوجئنا باندفاع كبير كاد يسقط بعضنا على الأرض، واكتشفنا أن الجميلة سعاد حسنى تخرج بصعوبة وسط أيادٍ تحاول إحاطتها وحمايتها من اندفاع الجمهور حتى نجحوا فى إدخالها السيارة بأعجوبة وإفساح الطريق بصعوبة أكبر للسيارة لتنطلق وسط حشود الجماهير التى عشقت هذه الفنانة الاستثنائية.

لهذا لا أتعجب كثيراً أنه منذ ٢١ يونيو ٢٠٠١، وهو تاريخ وفاة سعاد حسنى، وحتى الآن لم تتوقف الحكايات والروايات والقصص الخيالية التى تروى عن أبرع ممثلة سينمائية مرت فى تاريخ مصر، والتى عشقتها الجماهير وحزنت لرحيلها حزناً يليق بتاريخ هذه الفنانة الكبيرة.

خاصة أنها رحلت عن دنيانا بطريقة مأساوية أوجعت قلوب الملايين، لكن الغريب أنه من وقت لآخر تتردد حكايات منسوبة إليها أو مذكرات خطتها ويتم نشرها، على الرغم من أنه منذ عام ٢٠٠١، نفى المحامى الخاص بالفنانة الراحلة الأستاذ عاصم قنديل أن يكون للفنانة الكبيرة أية مذكرات شخصية، لكن ما زال البعض يصر على أن لسعاد حسنى مذكرات كتبتها، ولا مانع من استغلال بعض الخواطر والأدعية التى ربما تكون قد كتبتها فى لحظة مناجاة مع الله أن تُستخدم كطعم لصيد القراء الذين أحبوا سعاد حسنى وتتبعوها فى حياتها وبعد مماتها.

لكن ما أتعجب له فعلاً، هو ما تتبع ذلك النشر المزعوم من هذا السيل من الأكاذيب التى تُروج عن حكايات ومواقف وجرائم تدين أشخاصاً رحلوا عن حياتنا، ورحل معهم دليل الإدانة أو البراءة.

ومع الوقت أصبح الادعاء بوجود مذكرات يتلوه نشر ما تتضمنه، ثم نشر وقائع قال عنها المحامى الخاص إنها كاذبة، ثم يتم تداول هذه الوقائع على أنها حقائق تشهد عليها سعاد حسنى، ثم يتحول كل هذا إلى تاريخ يكاد يكون موثقاً، فتلك هى المهزلة بعينها التى نعيشها عبر وسائل التواصل الاجتماعى من ناحية، ووسائل الإعلام من ناحية أخرى.

وهو تجسيد لمعنى التدليس والتزوير فى النشر، ومن المفترض أن يعاقب عليه القانون، ويوقع مرتكبه تحت طائلته، ولكن بما أن أى أحد يمكنه فعل أى شىء دون محاسبة فلا مانع من نشر الكذبة وتصديقها.

فعلى سبيل المثال، يرددون قصة مقتل عمر خورشيد على يد أحد كبار المسئولين فى ذلك الوقت، ويؤلفون حوارات ويدللون على مواقف، لكن الأمر الغريب أن الفنان هانى مهنى، وهو على قيد الحياة -أمد الله فى عمره- حكى تفاصيل وفاة عمر خورشيد لأنه شاهد عيان وقت وقوع الحادث بما ينفى كل تلك الادعاءات، لكن من يسمع ومن يقرأ؟

تفاصيل وحكايات كلها على هذا المستوى من السذاجة، لا يصدقها أى عاقل، لكنها يمكن أن تخدع من يريحون عقولهم وترسخ أكاذيب لتشوه أجمل ما فى بلدنا وهو الفن.