كانت القرى مضرب الأمثال في «الجود والكرم والنبل والعطاء» بتلاحم أهلها وانتشار الأمان فيها، وتمسُّك ساكنيها بالقيم النبيلة والعادات الأصيلة.
كثيراً ما تردَّد على مسامع أبناء جيلى حكايات كثيرة تعبِّر عن علاقات «الود، والحب، والوئام، والإيثار» التى كانت تسود بين أبناء القرى الطيبين، خاصة بين الجيران، بل عايشت بنفسى حكايات كهذه، فما زالت جلسات الصيف والسمر والشاى بيننا وبين جيراننا حاضرة فى الذهن، يتشاركون الهموم والأفراح معاً.. ولن تجد إلا القليل النادر الآن، إن وُجدَ من الأساس.كم كانت علاقات الجيران -زمان الأجداد- مثالاً للطهر والنقاء، يتقاسمون الطعام والشراب، كل يرسل لجاره ما يطبخه فى بيته، ولا يمانع فى أخذ شىء من طعامه، بحب وإخلاص، دون مَنٍّ أو أذى، فلا تجد بينهم جائعاً أو محروماً.. فالجميع آنذاك كانوا «أصحاب بيوت»، كما نقول.
الآن، نفتِّش عن هذه «الأصول» وكأننا نبحث عن «إبرة» فى تل من القش، ربما لانتكاس الفِطرة، وغياب الوعى، فربما بسبب خصومةٍ بسيطة، أو مشاجرة عابرة بين جارَين، يتطور الأمر -دون خجل- ليلحق كل جار بجاره الأذى، والذى نزل جبريل -عليه السلام- بحقه موصياً النبىَّ -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيوِّرثه».
نحن الآن في أشد الحاجة إلى نبذ «الحقد، والغل، والحسد، والبغضاء» من القلوب، خاصة بين الجيران، وإعادة تأهيل النفوس، ونحن على أعتاب شهر رمضان الكريم.. فلنتهيَّأ جميعاً بنفوس صافية وقلوب صادقة لاستقبال هذا الضيف العزيز.. المليء بالرضا والنور، والأجر والثواب.
والسؤال المهم هو: ما الذى يمنع الجميع -خاصة الآباء والأمهات- من غرس قيم «الحب والصفاء والتسامح» في نفوس الأبناء، حتى نحيا جميعاً في سلام، وتعود القرى لما كانت عليه، ولينعم أهلها ببركات من السماء والأرض.. قبل فوات الأوان؟!