معالي الوزير «أبوسعود».. ألف مبروك

فرحتى كبيرة بالقرار الملكى الصادر قبل أيام، والذى كُلِفَ بموجبه الأستاذ سلمان الدوسرى بمنصب وزير الإعلام فى المملكة العربية السعودية الشقيقة، فالقرار يحمل رسالة بليغة وبالغة الأهمية يدركها كل من عرف معالى الوزير «أبوسعود» عن قُرب، وعايش كفاحه المهنى ومسيرته الناجحة عبر الكثير من المواقع والمناصب المؤثرة فى الإعلام السعودى والدولى، فهو ليس فقط «الرجل المناسب للمكان المناسب»، كما تخبرنا المقولة الشائعة، لكن تكليفه بهذا المنصب الراقى رسالة إلى كل الصادقين.. الصابرين.. من المتفوقين فى المملكة والعالم العربى والإسلامى، تخبرهم حقاً وصدقاً «أن لكل مجتهد نصيباً».

تشرفت بالعمل تحت قيادة معالى الوزير خلال فترة رئاسته تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» من يوليو 2014 إلى نوفمبر 2016، سبقها سنوات ممتدة تزاملنا فيها، بدأت منذ عملى بالصحيفة، والذى تصادف مع توليه منصب مدير مكتب الصحيفة فى دولة الإمارات عام 2006، ثم مساعداً لرئيس التحرير فى لندن نهاية عام 2009، قبل أن يتولى رئاسة تحرير جريدة «الاقتصادية» السعودية فى أكتوبر 2011، ثم مجلة «الرجل»، حتى يرحل مجدّداً إلى لندن، وإلى «الشرق الأوسط» مرة أخرى، رئيساً لتحريرها، ومعها يترأس تحرير مجلة «المجلة»، قبل أن يعود إلى العاصمة الرياض، ليستقر فى نهاية عام 2016، ويؤسس لدوره الكبير فى خدمة وطنه، كاتباً ومغرّداً نشطاً وشجاعاً فى مواجهة أعداء بلاده، ثم عضواً فى مجالس تحرير قناتى «العربية» و«الحدث»، وشريكاً فى رؤية تطويرهما التحريرية خلال السنوات الأخيرة.

ولى قصة فريدة مع «أبوسعود» دارت أهم مشاهدها بين شوارع لندن والقاهرة، عمّقت زمالتنا وأسعدتنى بمعرفته إنسانياً، كما أثّرت فى مجريات حياتى المهنية، بدأت وقائع القصة فى صيف عام 2011، وقتها أقيمت مأدبة عشاء فاخرة على شرف وجودى فى لندن، بدعوة كريمة من الأستاذ طارق الحميد، رئيس التحرير، تقديراً لى وللزملاء بمكتب الصحيفة بالقاهرة على جهدنا المتميز فى التغطية الصحفية لأحداث الربيع العربى فى دول الجوار الثلاث «مصر وليبيا وتونس»، وقتها كنت مديراً لمكتب الصحيفة بالقاهرة، وكان احتفالاً محدوداً فى عدد حضوره (6 أفراد)، وغير محدود فى قيمة الحضور الكرام وقاماتهم المهنية والإنسانية، سواء وقتها أو مستقبلاً، من بين الحضور ثلاثة رؤساء تحرير متتالون لصحيفة «الشرق الأوسط»، وبينهم أيضاً ثلاثة أصبحوا وزراء فى المملكة العربية السعودية.

وعقب العشاء، أخبرنى رئيس التحرير برغبته فى نقلى للعمل بالمركز الرئيسى للصحيفة فى لندن، وأوضّح للجميع تردّدى فى قبول العرض، الذى سبق أن رفضته أيضاً فى عام 2007، بعد رحلة عمل مؤقتة استمرت شهوراً فى لندن، سبقتها شهور أخرى فى الرياض، لم أتكيف فيها مع الغربة، رغم إغراءاتها المتعدّدة، وبعد السهرة خرجنا جميعاّ نستمتع بالتمشية فى شوارع لندن الساحرة، خاصة فى هذا التوقيت المثالى مناخياً من العام، وبحكم القُرب والمودة بيننا، جمعنى حوار ثنائى مع «أبوسعود»، كان وقتها صاحب خبرة عملية بعد انتقاله للعمل فى لندن، وحاول تشجيعى على الانتقال مثله إلى العاصمة الإنجليزية، فأخبرته أن إغراء البقاء فى مصر أصبح الآن أقوى، فالأحداث التى تمر بها بلادى منذ يناير 2011 فرصة مهمة لأى صحفى يقدّر عمله ويحترم مهنته، فابتسم لى مشجّعاً وداعماً لقرارى بالاستمرار فى مصر ورفض العرض المغرى بالانتقال إلى لندن، المفارقة أنه بعد شهور قليلة انتقل «أبوسعود» أيضاً للعمل فى الرياض رئيساً لتحرير «الاقتصادية».

لم تنقطع صداقتنا رغم ترقيته إلى منصبه الجديد، فمن يعرف «أبوسعود» يدرك تواضعه الشديد وبساطته فى علاقاته مع الزملاء ورُقى تعاملاته، وعندما انطلقت قصتنا فى لندن لم أتخيل أن فصلاً جديداً ومهماً منها سيبدأ فى صيف آخر، فبعد أيام قليلة من توليه رئاسة تحرير «الشرق الأوسط» فى يوليو 2014، أخبرنى برغبته فى عودتى للعمل معه فى صحيفتنا الخضراء بعد استقالتى المؤقتة من عملى فيها، والتى امتدت إلى شهور (تزامنت مع نهاية حكم الإخوان وثورة 30 يونيو المصرية وما تلاها من أحداث)، لم أتردّد لحظة فى قبول عرضه الكريم، لأعود إلى مكانى بالصحيفة تحت قيادته المتميزة فى فترة مهمّة ومؤثرة من تاريخها، وفى مسيرتنا المهنية، تعاونا خلالها إدارياً ومهنياً وإنسانياً، وأشهد له بأنه كان فيها مثالاً للمدير الناجح، والمسئول الحازم العادل، والصحفى المهنى المتمكّن، وأدركت فى هذه الفترة مدى عشقه الكبير للمملكة، وإيمانه الصادق بدورها ومكانتها، وتفانيه الصادق فى خدمتها.

جمعتنى بالأستاذ سلمان ثلاث عواصم ورحلة عمل ممتدة، كان أبرز مشاهدها فى القاهرة عقب حواره التاريخى مع فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى نُشر على صفحات «الشرق الأوسط» فى 28 فبراير 2015، وخلال جولتنا فى حى الحسين وشوارع الزمالك ووسط البلد، أدركت محبته الكبيرة لمصر، وتقديره الكبير لقيمتها وعلاقتها التاريخية مع المملكة، كلانا كان متفائلاً بتحالف استراتيجى يؤسَّس له فى هذا الوقت بين زعيمين كبيرين (الرئيس السيسى والملك سلمان) يمتلكان رؤية مستقبلية طموحة لبلديهما وللمنطقة.

اختطفتنا السياسة هذه المرة فى حديث ممتد، وقصص صحفية لا تنتهى.

وبقى بعدها الود موصولاً لسنوات، وحتى اليوم.

أبارك لمعالى الوزير سلمان بن يوسف الدوسرى الثقة الملكية الغالية ومنصبه المستحق، وتوقعى أن نجاحه سيكون باهراً فى قيادة قاطرة الإعلام فى السعودية، التى تعيش نهضة حقيقية فى مختلف القطاعات، وتتطلع إلى بناء قطاع إعلامى متطور يواكب طموحها الكبير فى «رؤية السعودية 2030».