إعادة الإعمار.. «المهمة المستحيلة»

إعادة الإعمار.. «المهمة المستحيلة»
أعلن محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذى للمجلس الوطنى الانتقالى الليبى، بعد أيام من مقتل العقيد معمر القذافى، عن برنامج لإعادة إعمار ليبيا خلال العشرين عاما المقبلة تتجاوز تكلفته 480 مليار دولار، أى بواقع 24 مليار دولار سنويا، معتبرا إعادة إعمار بلاده «مهمة مستحيلة»، فى الوقت الذى توالت فيه تقارير صحفية عالمية تحدثت عن أن الدول الغربية تتهافت على الفوز بالنصيب الأكبر فى «الكعكة الليبية»، التى من أجلها تدخلت قوات الناتو فى ليبيا بقيادة فرنسا ومشاركة بريطانيا للإطاحة بنظام القذافى.
وأعرب جبريل وقتها عن أمله فى أن يتم الإعلان عن البدء فى تطبيق برنامج إعادة الإعمار بأسرع وقت ممكن، إلا أن «إعادة الإعمار» انحسرت منذ رحيل القذافى فى أوراق بحثية تناقشها ندوات ومؤتمرات كان آخرها مؤتمر «إعادة إعمار ليبيا» فى بنغازى فى سبتمبر الماضى، والسبب هو تردى الأوضاع الأمنية التى فشلت ليبيا فى السيطرة عليها منذ مقتل القذافى فى 20 أكتوبر 2011.
ويقول الخبير المالى الليبى خليفة على ضو فى ورقة بحثية عن «استراتيجية الإعمار فى ليبيا»: «إن عدم توفر الأمن وتأخر تحقق التوافق السياسى والديمقراطية وغياب الإصلاح المؤسسى، تعيق إعادة الإعمار»، مشيراً إلى «ضرورة إصدار قانون ينظم إعادة إعمار ليبيا ويضع نظاما صارما للرقابة ويحد من الفساد واستغلال المال العام».
وهو ما أكده عضو المجلس المحلى فى مدينة بنغازى أسامة الشريف، قائلا فى تصريحات لـ«الوطن»: «إن ليبيا ما بعد مقتل القذافى عجزت عن إبرام عقود جديدة مع الشركات الأجنبية لسببين؛ أولهما غياب الأمن وثانيهما أن الحكومات التى تولت الحكم فى البلاد خلال المرحلة الانتقالية لم تكن لديها صلاحيات كاملة لإبرام العقود، ويتم العمل الآن بالعقود المبرمة منذ عهد القذافى».
وفى دراسة لأستاذ المحاسبة بجامعة بنغازى سالم محمد بن غربية بعنوان «تمويل وإدارة مشروعات فى ليبيا المستقبل»، أكد أن هناك «148 مليار دولار» مخصصة للتنمية خلال الأربعة عقود الماضية فى عهد القذافى، إلا أنها لم تؤتِ بثمار على أرض الواقع، مشيراً إلى أن ما حدث فى عام 2012 لإعداد وتنفيذ الميزانية العامة بشكل عام ولمخصصات التنمية الخاصة بشكل خاص لا يدل على أن هناك تغييرا فى السياسات والإجراءات والآليات التى كانت مطبقة فى الماضى، حيث كانت هناك عشوائية فى توزيع المخصصات ولم يتم توزيعها على مشروعات محددة.
وتوضح الدراسة أن أهم المشروعات التى تحتاجها ليبيا «إنتاج وتوفير وتوصيل الكهرباء، وتوفير خدمات الصرف الصحى وإنتاج وتطوير المرافق التعليمية، وتطوير الحقول والمصافى النفطية، وإنشاء وتوزيع وتجهيز المخططات السكنية ومخططات المدن، وإنشاء وتوسيع المطارات والموانئ، وتطوير النقل البحرى والجوى والبرى وشبكات الاتصالات والمواصلات».
وأوضح الشريف أن «الميزانية العامة فى ليبيا لعام 2012 تقدر بنحو 63 مليار دولار»، مشيراً إلى أن هناك عقودا مستمرة منذ عهد القذافى بنحو 60 مليار دولار.
ويقول مسئول لجنة الإسكان والمرافق بالمجلس المحلى فى بنغازى لـ«الوطن»: «تأخرنا فى إعادة إعمار ليبيا لأن شكل الدولة النهائى حتى الآن لم نتفق عليه، وما أبرم من عقود خلال العام الماضى لم يخرج عن مجرد دعم لوجيستى لمؤسسات الدولة».
ويضيف: «تلقت الدولة منذ مقتل القذافى العديد من العروض من كل دول العالم، وإن كانت أبرز هذه الدول فرنسا وبريطانيا وقطر، ولكن السوق ستكون مفتوحة بمجرد استقرار ليبيا للجميع».
وحتى فى مجال النفط الذى يسيطر على 90% من الميزانية العامة للبلاد، قال المهندس عبدالحميد الحداد رئيس لجنة النفط والصناعة فى المجلس المحلى فى بنغازى لـ«الوطن»: «إن تردى الأوضاع الأمنية أعاق إبرام عقود جديدة، لكن هناك لجانا لإعادة النظر فى العقود الموقعة منذ عهد القذافى»، مشيراً إلى أن «النجاح الوحيد الذى تحقق فى هذا القطاع هو إعادة الإنتاج بمستوى عالٍ يصل إلى مليون و600 ألف برميل فى اليوم».
ولكنه استطرد قائلا: «إن فرنسا وبريطانيا وقطر وكل الدول التى ساندت الثورة الليبية وُعدت من قبل رئيس المجلس الوطنى الانتقالى المنحل مصطفى عبدالجليل بأن يكون لها نصيب الأسد فى الاستثمار فى ليبيا».
ولم يخفِ استياء الرأى العام الليبى من مصر بسبب امتناعها عن تسليم فلول القذافى إلى ليبيا، مؤكدا أن موقف مصر يؤثر -لا شك- على طبيعة وحجم علاقاتها مع ليبيا، خاصة أن أزلام النظام الليبى السابق لهم يد فى زعزعة استقرار ليبيا، لأن الاستقرار يعنى قيام دولة يعنى إنشاء قضاء مستقل يعنى محاكمتهم، وهو الأمر الذى يخشونه.
ويتفق المسئول عن الهيئة العامة للمشروعات التنموية فى المنطقة الشرقية التابعة للحكومة الليبية المهندس فيصل بن دردف مع الحداد فى الرأى قائلا لـ«الوطن»: «التقيت فى إطار زيارة وفد ليبى لمصر منذ أكثر من عام مع وزير العمل المصرى أحمد برعى، وطلبنا منه تسليم فلول القذافى وعلى رأسهم أحمد قذاف الدم لكى نفتح باب التعاون مع مصر، إلا أن الوقت مر ولم يحدث أى شىء».
وأكد أن «السياسة طبعا تؤثر على الاقتصاد، ومما لا شك فيه أن مصر ستخسر كثيرا إذا لم ترضِ الرأى العام الليبى وتتوقف عن حماية أزلام القذافى».
الأخبار المتعلقة:
فى ذكرى مقتل «القذافى».. ليبيا دولة السلاح والأطلال والتهريب
على زيدان.. رئيس حكومة «الإنقاذ» ولم الشمل الليبى
القذافى.. ديكتاتور مجنون بداء العظمة انتهى حيث وُلد
فوضى السلاح.. بركان القذافى اليائس وجحيم الليبيين البائسين
رئيس مجلس الأعمال المصرى الليبى: الاستثمارات فى مصر لا تتعدى 3 مليارات دولار بسبب الخلافات السياسية
رجال القذافى فى مصر.. مسمار فى كعكة الإعمار
«طبرق» و«جغبوب» أهم مدن ومراكز تهريب السلاح إلى مصر
العمالة المصرية.. «سنة كبيسة» من التشريد والقتل وضياع الحقوق