مصر وأفريقيا.. علاقات المصير وإعادة البناء

كتب: محمد حسن عامر

مصر وأفريقيا.. علاقات المصير وإعادة البناء

مصر وأفريقيا.. علاقات المصير وإعادة البناء

عقود طويلة كانت مصر فيها بعيدة عن قارة أفريقيا رغم أن القارة السمراء من أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية ودوائر الأمن القومى المصرى، وهذه حقيقة هناك إجماع حولها، والحقيقة الثانية أن العلاقات المصرية - الأفريقية وصلت إلى مرحلة مختلفة.

ونمت بشكل غير مسبوق بعد عام 2014، أى مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى وفوزه بالانتخابات، الذى كانت رؤيته ثاقبة تجاه هذه العلاقات والخسائر التى تكبدتها «القاهرة» جرَّاء سنوات التهميش للقارة لدى صانع القرار المصرى، وبالتالى كان أمامه هم دبلوماسى كبير يتمثل فى إعادة تأسيس العلاقات المصرية - الأفريقية وفق منظور جديد يطوى صفحة الماضى ويستعيد ثقة الدول الأفريقية فى مصر، وهذا رغم الانشغال المصرى بكثير من القضايا الداخلية المعقدة.

«القاهرة» تطوى صفحة تهميش وإهمال القارة السمراء.. وتدافع بقوة عن مصالح شعوبها

المسألة ليست كما كانت من قبل، ليست علاقة قائمة على فكرة أن مصر فى برج عالٍ والدول الأفريقية هى التى تسعى للعلاقات معها، انتهت هذه النظرة والمرحلة، وصاغ الرئيس السيسى مرحلة جديدة تقوم على الندية واليقين بقيمة ومكانة دول القارة، واليقين كذلك بأن قوة مصر من قوة الدول الأفريقية، وهى القناعة التى وصلت فى المقابل للأخيرة، بمعنى أن قوة مصر قوة للقارة السمراء ككل ولشعوبها.

كانت العلاقات المصرية - الأفريقية كالمركب الغارق الذى ينقذ من عليه وهم يكادون يلفظون أنفاسهم الأخيرة، لكن أنقذوا بفعل سياسة خارجية رشيدة ودبلوماسية رئاسية بصيرة وعاقلة تمت ترجمتها فى عديد من المبادرات والخطوات العملية كمبادرة إسكات البنادق، ومشروعات بناء السدود، وحفر الآبار فى عدد من الدول الأفريقية، وصولاً إلى دفاع «القاهرة» كذلك عن القارة فى مواجهة تأثيرات الأزمة الروسية - الأوكرانية، خصوصاً الدول التى تعانى على صعيدى الأمن الغذائى والأمن المائى، مؤشرات كلها تؤكد أن «القاهرة» دائماً حاضرة للدفاع عن هموم القارة.

أولوية مصرية لدعم أفريقيا التنمية للجميع

أتت القمة الأفريقية التى عقدت مؤخراً فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ومصر لديها العديد من الملفات والقضايا التى كانت حاضرة، والتى تتعلق بأوضاع قارة أفريقيا، والتى لطالما دافع عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مختلف المحافل الدولية وكذلك بقية المؤسسات المصرية المختلفة.

ويجمع خبراء على أنه إلى جانب القضايا التقليدية مثل أزمة ليبيا والصومال والأوضاع فى السودان، فإن القاهرة تواصل دائماً عرض رؤاها بشأن تنمية القارة، وكذلك السعى الدائم لدعم القارة فى مواجهة الأزمة «الروسية - الأوكرانية» فى ظل ما أفرزته من تداعيات سلبية وخطيرة على القارة سبق أن حذر منها الرئيس السيسى مراراً، ثم يأتى ملف الحفاظ على السلم والأمن الأفريقى كإحدى أبرز القضايا التى تعمل عليها مصر.

قاطرة تنمية مصرية فى أفريقيا

المشاركة المصرية فى فعاليات القمة الأفريقية الأخيرة تأتى فى إطار رؤية مصر للتعامل مع قضايا الدول الأفريقية، ولكن هناك طرحاً شاملاً مصرياً قائماً على فكرة التنمية لكل القارة الأفريقية، وهذا يأتى فى ظل إيمان القيادة المصرية بضرورة أن تكون هناك أدوات أو آليات للتعامل مع الأشقاء الأفارقة.

ومصر بطبيعة الحال علاقاتها بالاتحاد الأفريقى طيبة وجيدة، وهى علاقات مهمة، خصوصاً أن مصر من الدول الرئيسية فى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية من قبل، والقاهرة لديها استراتيجية للحركة فى أفريقيا تعتمد على ثوابت قانونية وتاريخية والمصالح المشتركة للجميع، وليس لطرف على حساب الآخر.

كما أن مصر تقدم نموذجاً لما يُعرف باسم التنمية الحديثة أو التنمية المعاصرة أو التنمية المستدامة للدول الأفريقية، وهذا يشير بعمق إلى ما تقوم به القاهرة تجاه هذه الدول، وبالتالى فإن تنمية الدول الأفريقية لا تزال إحدى أهم أذرع الحركة المصرية فى القارة السمراء، بما فى ذلك بناء السدود، وهنا لا بد من الإشارة إلى تجربة سد جوليوس نيريرى فى تنزانيا، وهذا يؤكد أن الدولة المصرية لا تتأخر عن الأشقاء.

وتخدّم على ما سبق الدبلوماسية الرئاسية التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى، للدفاع عن الثوابت المصرية أو عن حقوق مصر فى إطار القانون الدولى العام. كما أن مصر ستؤكد كذلك على التعامل مع عدد من القضايا، منها مكافحة التصحر، وأن تقوم مصر بتقديم الخبرات اللازمة للتعامل مع هذا الأمر.

د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

مساعدة القارة لتجاوز الأزمة «الروسية - الأوكرانية»

تؤدى مصر دوراً كبيراً فى قيادة قارة أفريقيا للتعامل مع انعكاسات الأزمة «الروسية - الأوكرانية»، التى فى رأيى تحولت إلى ما يشبه حرباً عالمية وإن كانت لا تحمل مسمى الحرب العالمية، فأطرافها ليست روسيا وأوكرانيا فقط، بل تداخل فيها كثير من الأطراف، إلى جانب تداعياتها السلبية التى طالت العالم وكان لها تأثيرها الكبير على قارة أفريقيا.

ولقد كانت الأزمة «الروسية - الأوكرانية» سبباً فى الإضرار بكثير من الدول الأفريقية، سواء ما يتعلق بأزمة نقص الدولار أو نقص مصادر الطاقة، بل وصول بعض الدول الأفريقية إلى حافة المجاعة جراء توقف سلاسل الإمداد الغذائية، ما يعنى أن هناك أزمة متعلقة بأمن الطاقة وأخرى متعلقة بالأمن الغذائى.

والرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه رئاسة البلاد أولى أفريقيا اهتماماً كبيراً يقوم على استراتيجية واضحة هى أن مصر قوية بقوة الدول الأفريقية، وتحقيق المصالح الأفريقية تحقيق للمصالح المصرية، ولهذا فإن الرئيس السيسى يتحرك باستمرار لتحقيق المصالح الأفريقية واستفادة جميع الأطراف.

كما وضع على عاتقه العمل على إيجاد حلول لهذا الوضع الإنسانى فى أفريقيا، خصوصاً المشكلات التى تتعلق بالأمن الغذائى من جراء الأزمة «الروسية - الأوكرانية»، والتى كما تمت الإشارة إليها تدفع بعض الدول الأفريقية إلى حافة المجاعة، إذ عملت القاهرة على تسخير كافة قدراتها وإمكانياتها المالية والسياسية وكذلك علاقاتها الاستراتيجية مع مختلف القوى الدولية للدفع نحو حلول للوضع الإنسانى الحالى فى القارة نتيجة أزمة ليست أفريقيا طرفاً فيها وإنما تضررت منها بقوة.

                                       رامى زهدى

                              متخصص فى الشئون الأفريقية

تحركات لحفظ السلم والأمن الأفريقى

مصر دائماً معنية بمسألة حفظ الاستقرار والسلم والأمن، خصوصاً فى الدول الأفريقية، وبصفة عامة فإن فكرة السلام والاستقرار مسيطرة تاريخياً على العقيدة الدبلوماسية المصرية، لكن مع الأحداث التى طالت كثيراً من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نهاية عام 2010 وبداية عام 2011، ترسّخت أكثر فكرة السلام والحفاظ على الاستقرار والحفاظ على الدول الوطنية ومؤسساتها لدى الدولة المصرية، خصوصاً لدى الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وأصبحت الدولة المصرية أكثر تمسّكاً بفكرة الاستقرار والسلم الداخلى، خصوصاً فى قارة أفريقيا، إذ إن القاهرة لديها قناعة كبيرة بأن أمن واستقرار الدول الأفريقية أمن واستقرار لها، ولهذا فإن مسألة دعم الاستقرار وحفظ السلم والأمن الأفريقى دائماً قضية رئيسية على أجندة مصر وستكون حاضرة خلال القمة الأفريقية بأديس أبابا.

وعملت مصر على ترجمة تلك المبادئ والقناعات بشكل فعلى وعملى، من خلال مبادرة إسكات البنادق التى تهدف إلى وضع حلول لكثير من النزاعات التى تضرب قارة أفريقيا، ووضع الحلول السياسية والدبلوماسية كأولوية للتعامل مع النزاعات والحد من اللجوء إلى الحلول العسكرية، التى أثبتت التجربة أنها فاقمت مشكلات القارة أكثر.

ولعل ما يميز مصر فى دبلوماسيتها أنها لم تنشغل ببناء مؤسساتها والحفاظ عليها وعلى أمنها فقط، بل عملت دائماً على نقل خبراتها وتوجّهاتها لكل دول القارة، فى المقابل دائماً ما تستقبل الدول الأفريقية هذه التحركات المصرية بالترحيب الدائم، ولهذا أصبحت مصر الآن قائداً حقيقياً للقارة السمراء.

                                   طارق البرديسى

                             خبير فى العلاقات الدولية


مواضيع متعلقة