بردية «شادي عبدالسلام»

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

وكأنه كان يكتب برديته الخاصة، ينقش ملامح وجهه على جدران معبد فرعونى، يسجل اسمه فى ذاكرة السينما بلغته الخاصة: إنه الحلم الذى استيقظنا قبل أن نتمه.. والكنز الذى لم نعرف أسراره بعد.

والنور الذى شق أسر الظلام ليتحرر: إنه «شادى عبدالسلام».

عندما أراد روسيللينى إنتاجاً وثائقياً عن الحضارة للتليفزيون الإيطالى فى منتصف الستينات توجه إلى مصر وطلب مساعدين له، فتعرف على يوسف شاهين وشادى عبدالسلام، وعندما شاهد أعمالهما قال إن «شادى» صاحب أيدٍ وعيون مثقفة.وسافر «شادى» وشارك فى تصميم ملابس وإكسسوارات فيلم كليوباترا عام 1963، لجوزيف مانكيفيتس، وديكورات الفيلم البولندى (الفرعون) لكافليروفيتش عام 1966.

من هنا بدأت علاقة شادى بفيلم «المومياء» عندما قرأ قصة الخبيئة أثناء تصوير الفيلم البولندى «فرعون» مما زاد عنده الحنين لمصر، وقرر كتابة سيناريو لتلك القصة دون العزم على تحويله إلى فيلم.يقول شادى «المومياء ليس أكثر من أربعة وعشرين ساعة تمثل لحظة وعى وضمير لم ينضج بعد عام 1881 أى قبل عام من الاحتلال البريطانى لمصر».

لقد كان شادى مليئاً بالإبداع: الكمال بالنسبة للعمارة، اتساق الألوان، واتزان النسب، فنية جمال الزخارف والإكسسوارات، وهو ما دفع يوسف شاهين إلى القول بأن «شغل شادى فى تصميم ملابس وتنسيق ألوان الناصر صلاح الدين أفضل ما فى العمل، أجمل من شغلى أنا كمخرج».

واللافت أن مجموع الأعمال التاريخية التى عمل بها شادى لم تكن لها رؤية خاصة أو قضية بعينها لم تكن أفلاماً عظيمة (درامياً) كذلك لم تكن رديئة لكن تصميمات شادى أضافت قيمة فنية عالية ممتعة للمشاهد لدرجة القول أنها القيمة الأكيدة الباقية منها.

و«المومياء» هو فيلم نادر فى تاريخ السينما المصرية، مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى أواخر القرن التاسع عشر (1871).

يتحدث الفيلم عن قبيلة يسميها «الحربات»، فى صعيد مصر تعيش على سرقة وبيع الآثار الفرعونية.

وعندما يموت شيخ القبيلة يرفض أولاده أمر سرقة الآثار فيقتل الأول على يد عمه بينما ينجح الثانى فى إبلاغ بعثة الآثار عن مكان المقبرة التى تبيع قبيلته محتوياتها.

أما القصة الأصلية فأبطالها أفراد من عائلة عبدالرسول ينجحون فى اكتشاف ما بات يعرف بـ«خبيئة مومياوات الدير البحرى» التى ضمت مومياوات أعظم الآثار الفرعونية فى مصر مثل أحمس الأول وسيتى الأول ورمسيس الثانى.

قيمة الفيلم الفنية المتفردة ومراحل كتابته شعراً وعبقرية مخرجه لا تقلل إطلاقاً من إمكانية «استثماره» فى جلب السياحة إلى مصر.. تستطيع بكل بساطة أن تكتب كلمات مثل (فرعون، مومياء، مقبرة فرعونية.. إلخ) على موقع اليوتيوب لترى ملايين المشاهدات.

وأنا أهدى هذا المقال للمخرج الصديق «شريف سعيد» مع كل «التهنئة» بانطلاق «الوثائقية» القناة الأحدث «للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية».. السينما المصرية أرّخت للحياة الاجتماعية والسياسية منذ نشأتها وهى فى حد ذاتها تاريخ يستحق أن نخلده.قد يكون «المومياء» هو أصعب فيلم من حيث تمويله وكتابته وتصويره إلى رحلة ترميمه.

لكن المشوار رغم صعوبته قد حقق رسالة «شادى عبدالسلام» فقد كان البحث عن الهوية المصرية وبثها فى صورة إبداع سينمائى يشغلان شادى، فكان صاحب مشروع مصرى خالص عن الهوية والتاريخ، وهو ما عبر عنه المخرج الراحل فى أحد لقاءاته قائلاً «إننى أسعى لسينما مفيدة، تعلم من خلال الفن.

وكان علىّ أن أكتشف طريقة وأسلوباً سينمائياً جديداً، فيلم تعليمى دون جفاف، يعطى المعلومة ويراعى الإنسان ولا يخلو من المتعة، فيلم طريقة السرد به متقدمة، والمعلومات مبسطة، ويخلو من عبارات المتخصصين الضخمة ليصل للمتفرج العادى، لا بد أن نصل بين إنسان اليوم وإنسان الأمس، وهى قضيتى».