«هيكل».. حضور بلا استئذان

كتب: أحمد البهنساوى وكريم عثمان

«هيكل».. حضور بلا استئذان

«هيكل».. حضور بلا استئذان

الكتابة عن محمد حسنين هيكل تحتاج إلى «الاستئذان فى الحضور»، والحديث عن «الأستاذ» كمن يدخل حقل ألغام فى مهنة البحث عن المتاعب، إذ إنه ليس مجرد كاتب صحفى، بل صار أحد عناوين المهنة فى مصر والعالم العربى، ولا سياسى من الهواة الذين يجيدون الكلام دون الفعل والتأثير، لكنه كان كليهما من طراز فريد، فهو الذى قال إن «خيطاً رفيعاً يفصل بين الصحافة والسياسة»، لا سيما أنه عاصر اثنين من ملوك مصر و7 رؤساء جمهورية.

«الوطن» تحتفى بالكاتب الكبير فى ذكرى رحيله السابعة ضمن سلسلة «فرسان الكلمة»

«هيكل» الذى رحل عن عالمنا قبل 7 سنوات، عن عمر ناهز 93 عاماً، عاش منها أكثر من 70 عاماً بين ردهات الكتب وأوراق صحف ومستندات ووثائق تعجّ بها مكتبته، كحصيلة مشوار جعله واحداً من أشهر الصحفيين المصريين والعرب فى القرن العشرين، ووصفه البعض بـ«مؤرخ التاريخ العربى الحديث»، خاصة تاريخ الصراع العربى - الإسرائيلى.

«هيكل»، صاحب مقولة «إن الصمت ليس سياسة»، أسهم فى صياغة السياسة فى مصر منذ فترة الملك فاروق، واقترب من جمال عبدالناصر، كما لم يقترب غيره منه، وكان إلى جوار أنور السادات طويلاً قبل أن يختلف معه ويؤدى الخلاف إلى سجنه فى «اعتقالات سبتمبر 1981»، وأثناء حكم حسنى مبارك، حافظ على مسافة بينه وبين السُلطة، واكتفى بأن يكون مراقباً للأحداث ومُعلقاً على ما يراه لا يصح معه الصمت، ومنها موقفه فى أزمة قانون الصحافة عام 1995، ومقولته الشهيرة: «القانون تعبير عن أزمة سلطة شاخت فوق مقاعدها».

«الوطن» تحاول أن تتلمس خطوطاً عريضة من سيرة ومسيرة «الأستاذ» فى الذكرى الـ7 لرحيله فى «17 فبراير 2016»، وهى المسيرة التى أراد لها ذات يوم أن تتوقف اختيارياً، عندما استأذن قراءه فى «الانصراف»، لكن الأحداث الكبرى التى مرت بها مصر أعادته إلى الاشتباك والكتابة، فكان حضوره الدائم بلا استئذان.

أصدقاؤه يروون حكاياتهم فى حضرته: صنع أسطورته بنفسه

كاتب متمكن من طراز فريد، يراه محبوه وطيف من قرائه أن كلمته دقيقة كحد السيف، رشيقة كالفراشة، وتدخل القلوب كعزف هادئ على وتر مشدود، أما الجانب الثانى من الصورة، وهو الجانب الإنسانى، فهو فى عيون أصدقائه ومن اقتربوا منها صديق حميم، ومرجعية فكرية كبرى، وأسطورة صحفية عالمية، يجب أن تُدرس تجربته فى مناهج الإعلام، إذ أدرك منذ شبابه أنه لا بد أن يكون مغامراً بقلم جرىء ليصنع حكايته، وقد كان.

مشوار الكاتب الصحفى الراحل يدركه شيوخ الصحافة ويعلمه أجدد المنضمين للمهنة، فهو علم رمزه الورقة والقلم، لكن هناك من يعلمون تفاصيل خاصة عن حياته، عاشوا مع «هيكل» حكايات تفردوا بها، ويتذكرون مواقف معه لم تحك بعد، هم رفقاء الرحلة وأصدقاء مشوار الصحافة للكاتب الكبير الذين تحدثوا لـ«الوطن» عن سنوات لا تُنسى فى حضرة «الأستاذ».

«السناوى»: سيرته حاضرة

الكاتب الصحفى عبدالله السناوى تحدث عن «هيكل» الصديق والأستاذ، قائلاً إن سيرته حاضرة حتى الآن ولن تنقطع، ودوره الفكرى والمهنى فى تاريخ الصحافة وتاريخ مصر سيظل باقياً على مدى الدهر، فقد قدم نموذجاً فريداً، ليس فى الموهبة فقط، بل فى الطموح والتفرد والوصول إلى الأهداف، ومن هذا المنطلق كان يمد يده للصحفيين الشباب ويساعدهم، فكان مدرسة فى حد ذاته، وتلاميذه فى كل المؤسسات الصحفية، ولديه رؤية واضحة دائماً.

وأضاف «السناوى»، الذى يعد أحد أصدقاء «هيكل» المقربين، أن كتابه «أحاديث برقاش - هيكل بلا حواجز»، ضم مجموع الأحاديث التى أجراها مع الكاتب الراحل أو التى دارت فى حضوره، أو أحاديث أخرى كان شاهد عيان فيها خلال لقاءات وحوارات ومواقف محورها «هيكل»، تحكى عن مدى إبداعه خلال مشواره الصحفى، ولها بعد إنسانى عن جانب لم يعرفه كثيرون عن الكاتب الراحل، أبرزها أنه مهما اختلف أحد أو اتفق مع الأستاذ، على الجميع أن يسلّم بأنه كان فذاً وصاحب قيمة لم يصل إليها أحد قبله.

«فهمى»: تنظيمه الصارم لوقته جعله منتجاً بشكل هائل

وقال الكاتب الصحفى جمال فهمى إن «هيكل» هو من صنع أسطورته بنفسه، فأخذ مهنته بجدية وصلت إلى حد كبير، وكان دائماً يسهر على التعلم والثقافة، حتى فى آخر أوقات حياته لم يكف عن تلقى المعرفة ويدرك أنه كلما عرف أكثر احتاج إلى الكثير من المعرفة، كما أن تنظيمه الصارم لوقته جعله منتجاً على نحو هائل، وكان يقول دائماً إنه يعتز بأنه «صحفى» وفقط، وأحب ألقابه كان الصحفى محمد حسنين هيكل، ولا يهوى غيره، كما يحلو للبعض الكراسى والمناصب، لكنه فقط كان دائماً يريد أن ينتسب إلى المهنة التى أعطاها حياته.

أما على الصعيد الإنسانى، فتحدث «فهمى» عن تجربته مع «هيكل» بأنه رغم قدره العظيم، فهو شديد التواضع والنبل، لم يعش فى برج عاجى عالٍ أو يتخيل أنه طاووس، لكنه تمتع بلطف لا حدود له، ويلتقى الصغير والكبير بالحفاوة نفسها واللطف ذاته، وكلما التقيت به فى مكتبه كان يُصر على توصيلى إلى باب المصعد وينتظر حتى أدخله وأغادر، وهذا اللطف الإنسانى الرهيب أعطاه قيمة مضاعفة فوق قيمته الموضوعية، ونفحة من تواضع العلماء.

وأضاف أنه كان يومياً يطمئن عليه وأهل بيته فى غيابه خلال فترة عصيبة من حياته، وفعل ذلك وأكثر مع شخصيات كثيرة، كما أنه كان مستمعاً جيداً جداً، يحث من أمامه ليتحدث، فكان يريد أن يسمع طوال الوقت ليعلم كل جديد، فالمكانة العالية التى أخذها حياً وميتاً لم تكن من فراغ ولكن بعد دأب شديد على التعلم، واتصال دائم بالمهنة، ليبقى نموذجاً يتعلم منه كل من يريد أن يتعلم شيئاً عن المهنة.

«عبدالحفيظ»: كان من أهم صحفيى العالم خلال القرن الماضى

كما تحدث الصحفى محمد سعد عبدالحفيظ عن «هيكل» قائلاً إنه كان الصحفى الأهم فى تاريخ الصحافة العربية ومن أهم الصحفيين فى العالم خلال القرن الماضى، فاستطاع أن يصنع مدرسة صحفية خرّجت أجيالاً أصبحوا أساتذة وقادوا العمل الصحفى فى مصر.

وأوضح الكاتب الصحفى أن «هيكل» لم يتأثر بتقدم العمر، فرغم كبر سنه، فإنه كان دائماً شديد التركيز، يسمع الجميع بشغف الصحفى الصغير، الذى ظل يلاحقه حتى مماته، لم يفقده أبداً.


مواضيع متعلقة