إنسانية السياسة وفطرة التراحم
- الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
- الشرق الاوسط
- الشركات المحلية
- المجتمع المدني
- المهندس محمد
- برامج تأهيل
- جمعية اتصال
- أحمد عيد
- أكبر
- أكتوبر
- الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
- الشرق الاوسط
- الشركات المحلية
- المجتمع المدني
- المهندس محمد
- برامج تأهيل
- جمعية اتصال
- أحمد عيد
- أكبر
- أكتوبر
كل منا يرى ما يريد أن يراه فى كارثة شرق المتوسط المروعة.
الزلزال الرهيب وما يزيد على ألف هزة ارتدادية بعضها بلغ من القوة ما ألحق المزيد من الدمار يطرح نفسه حديث الساعة، ولدى البعض تفكير الساعة وتأملها.
التأمل فى الصور والفيديوهات والقصص والحكايات المتواترة من كل من سوريا وتركيا لا تدع الكثير من المجال للاهتمام بأى أحداث أو حوادث أخرى تجرى من حولنا، محلياً أو عالمياً.
صحيح أن الحياة تمضى قدماً فى شتى أرجاء الأرض، لأنها لن تتوقف بسبب مأساة حدثت هنا أو مصيبة وقعت هناك، لكن حياة مَن يتمعنون فيما يجرى للشعبين المنكوبين لن تعود كما كانت.
أقول «شعبين» وليس «دولتين»، لأن المصيبة التى ضربتهما لم تتوقف قليلاً لتقرر هل تضرب هنا بتؤدة وتضرب هناك بعنف، أو هل تصيب المعارضة فى مقتل وتطبطب على المؤيدين.
المصيبة واحدة، والضرب واحد، والدمار واحد، والركام الذى يصارع المنقذون من عشرات الدول من حول العالم الزمن من أجل إزاحته برفق عسى أن يكون هناك قلب ما زال يدق تحتها واحد، سواء كان ركاماً رخامياً من أفخر الأنواع أو جيرياً من أرخصها.
والهزة التى استمرت دقيقة والنصف -هى بمثابة قرن ونصف- لم تتريث قليلاً للتحقق إن كان البناء الذى ستخسف به الأرض تسكنه عناصر من المعارضة وأسرها، أو متعاطفون مع داعش وأقرانها، أو مواطنون لا ناقة لهم فى السياسة والصراعات أو جمل.
خسفت بالكل الأرض، على أرض الناجين وأهالى المفقودين والضحايا، واقع آخر بالغ المرارة سيستمر معهم إلى آخر أعمارهم مهما تلقوا من علاجات نفسية وعصبية.
وعلى أرض المتابعين والمشاهدين لأخبار الكارثة، فهناك مَن يتابع بدافع «اقرأ الحادثة» أو «يا ساتر يا رب» ثم يمضى فى حياته العادية على اعتبار أن الأمر لا يعنيه باستثناء «شوية تعاطف».
وهناك من يتابع ويخرج من متابعته بما هو أكثر قليلاً من «شوية التعاطف»، حزن بالغ لعدد الضحايا الآخذ فى الارتفاع والمرشح لأن يجتاز حاجز الـ20 ألفاً، ومعه تفكر وتدبر فى جدوى الصراعات السياسية والمعارك الدينية والاحتقانات العرقية والحروب الأيديولوجية والسفاسف الفكرية، لا سيما أن كل ما سبق همه الرئيسى وهدفه الرئيسى إما بسط السيطرة وفرض العضلات، أو تحقيق غاية المنى وكل المراد بأن يصبح «العدو» صورة طبق الأصل منه.
وإذا تركنا السياسة والعضلات والسطوة والهيمنة لأصحابها، فإن المسلم يريد المسيحى أن يكون مسلماً، والشيعى يريد للسنى أن يكون شيعياً والعكس، والمؤمن بدولة الخلافة يريد أن يرى كوكباً يدور حول نفسه باعتباره كوكب الخلافة، وميليشيات الجيش الحر وجبهة النصرة وألوية أحفاد الرسول وهيئة دروع الثورة ولواء شهداء اليرموك وجيش الإسلام وجبهة النصرة وجيش المجاهدين وفيلق القدس وكتائب سيد الشهداء وداعش وغيرها تريد أن ينضم الجميع تحت رايتها وتهيمن وحدها على سوريا.
وفى تركيا، وبينما تقول الصحافة المؤيدة للرئيس التركى أردوغان فى الداخل أو الإقليمية التى تدعمه بكل ما تملك من قوة وبأس إن شعبيته وحزبه فى تزايد، لا سيما أن الانتخابات على الأبواب، وذلك استناداً إلى تقارير استطلاعية لنبض الشارع، تقول الصحافة غير المؤيدة إن شعبية الرئيس وحزبه فى تناقص استناداً إلى التقارير ذاتها.
لكن حين ضرب الزلزال لم يضرب الفريق الذى يصدق تقارير زيادة الشعبية فقط، أو الفريق المناهض الذى يرى تقلصها، إذ ضرب دون تفرقة.
الفرق بين المتشبثين بتلابيب السياسة والقوة والهيمنة ومعها خلطة الدين بالسياسة واعتبار الدين سياسة والسياسة ديناً سيكونون على الأرجح أول المستعيدين عافيتهم بعد هدوء صدمة الزلزال.
ومنهم مَن عاد بالفعل ولم ينتظر يوماً أو يومين، على الأقل احتراماً لمن قضوا، ولمن قضى أفراد من عائلاتهم، وربما كل عائلاتهم.
لعل الزلزال المروع يكون فرصة لالتقاط الأنفاس، بالطبع السياسة وصراع القوة والهيمنة ستستمر، لكن فى إمكان البشر التفكر فى أمر إنسانيتهم قليلاً فى ضوء مثل هذه الكوارث الكبرى.
حتى السياسة وصراع القوة وتصادمها واحتقانه تشهد الكثير من التسليم بإعلاء قواعد الإنسانية فى أعقاب المصائب الكبرى، فرق الإغاثة والبحث والتنقيب القادمة من مشارق الأرض ومغاربها، المساعدات الإنسانية، والاتصالات التى يتلقاها زعيما الدولتين المنكوبتين، ليس فقط من الأصدقاء، بل من الفرقاء ربما قبل الأصدقاء.
الكوارث الكبرى تذكّرنا بإنسانيتنا، كما أنها تسلط الضوء على مَن مِن الساسة يحتفظ بإنسانيته ويسارع إلى ترجيح كفتها، لا سيما فى أوقات الشدائد والأزمات، ومن منهم يمضى قدماً فى الصيد فى مياه المآسى العكرة، كما يمكن التفرقة بين المساعدات والمؤازرات الحقيقية النابعة من تعاطف أصيل وأصل كريم، وبين تلك التى يتم عرضها من باب تسجيل الاسم فى دفتر المواساة.
تحية كبيرة إلى مصر التى لم تتوقف عند خلافات السياسة ووضعت الإنسانية وفطرة التعاطف والتراحم على رأس الأولويات.