«الشهرة» ليست مقياساً للعظمة

حينما يسطع نجم أحد المشاهير، ويركب «التريند» -كما يُقال- سواء كان ذلك فيما ينفع أو حتى فى تفاهة.. المهم أن يُدر ذلك دخلاً على صاحبه أو أسرته، وفى الغالب «المال» الآن هو ما يحكم.. ساعتها تتسابق معظم الأمهات والآباء لدفع أبنائهم؛ ليكونوا مثل مَن يتابعون من نجوم أو مشاهير.

 

للأسف.. الآن معظم الناس يريدون أن يكونوا هم أو أحد أبنائهم مشهوراً حتى لو لم يمتلك موهبة، أو لم يكن يجيد ما يُقدم.. وفى عصر السرعة يسابقون الزمن على الظهور.فى الغالب تجد هوساً محموماً بالمشاهير، فالجميع يريد لمعان الاسم، وعلوّ النجم.. وزيادة الهالة التى تحيط به.وكما يقول الشيخ على الطنطاوى، رحمه الله: «إنى لأعجب ممن يسعى للشهرة ويراها شيئاً جميلاً! ما الشهرة؟ هى التى تفتّح عليك الأعين كلها، ويراقبك الناس جميعاً فتفقد بذلك حريتك».

 

صارت مواقع التواصل الاجتماعى مرضاً عضالاً، يلهث روادها وراء الظهور عليها بأى شكل، تجد أحدهم يقدم لك موهبته فى الرقص أو الإضحاك، أو يصوِّر طفله فى المسبح، أو زوجته فى المطبخ لتقدم لنا سراً خطيراً لنوع من الطعام.. وربما كشف هو أسرار أسرته كلها وأطلعَ المتابعين على أدق تفاصيل حياته.. وذلك من أجل أن يقول: «أنا هنا.. رجاءً تابعوا صفحتى أو منشوراتى، أو فيديوهاتى».

 

والسؤال الذى يفرض نفسه: ما الذى نستفيده نحن -جمهور المتابعين- من هذا الهراء الذى يقدمه هؤلاء؟!قديماً فى عصر الكلمة المقروءة، وازدهار الصحف والكتب، والأدب، كان أصحاب الأقلام يُعدون على الأصابع ويشار إليهم بالبنان، وكانت الكلمات تُنتقى بعناية لتقدم لقارئ واعٍ يفهم، وينتقد، ويفنِّد ما يقدم إليه.. الآن صارت مواقع التواصل الاجتماعى منصات مجانية للجميع.. كل يكتب عليها ما يريد.

 

وهناك أناس يريدون الشهرة والمدح بما لم يفعلوا، قال الله تعالى عنهم: «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، وقد نزلت فى قوم من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا غزا العدو، فإذا انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتذروا إليه، وأحبّوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، لكن العبرة بعموم اللفظ، وليس بخصوص السبب.

 

فى النهاية «الشهرة» ليست مقياساً للعظمة؛ بل ربما اشتهر مَن لا يستحق أن يذيع صيته، وربما نُسىَ من كان مستحقاً لخلود الذكر.