التنظير يختلف تماما عن الاشتباك مع الواقع

لؤي الخطيب

لؤي الخطيب

كاتب صحفي

500 شحنة من الغاز المسال صدّرها مصنع الإسالة بدمياط وحده، منذ بدأ العمل في 2005 وحتى الآن، باستثناء 8 سنوات توقف فيها العمل بالمصنع حتى عاد مرة أخرى في فبراير 2021.

منذ ذلك التاريخ وحتى الشحنة رقم 500، أي خلال عامين تقريبا، نجح المصنع في تصدير 7.2 مليون طن من الغاز المسال، منها 4 ملايين طن خلال عام 2022 وحده.

قبل نحو 6 سنوات، أطلق الرئيس السيسي تصريحه الشهير: "احنا جبنا جون".. لم يعد يخفى على أي متابع للأحداث أن مصر بالفعل "جابت جون" في ملف الغاز، وما الأرقام التي وردت في بداية هذه السطور إلا دليلا على مدى أهمية هذا الملف.

من هنا، يمكن أن نتحدث عن الفرق الواضح بين التنظير والاشتباك مع الواقع.

سرد النظريات وفرد السطور مهمة سهلة حينما تكون خارج موقع المسؤولية، لكن الدولة لا تملك رفاهية الارتكان للنظريات العامة، لأن الأمور حينما تسوء لن يكتفي الناس بأن "الفكرة لطيفة"، وإنما سيغضبون من "النتائج اللي مش لطيفة".

الدولة المصرية خلال السنوات الماضية فهمت تماما أهمية ملف الغاز وعملت عليه حتى قبل أن تظهر الأزمة الروسية الأوكرانية وما تبعها من احتياج أوروبي لغاز شرق المتوسط وخصوصا الغاز المصري.

الأمر نفسه، ينطبق على تصريحات رئيس الوزراء عن انتهاء أزمة تكدس البضائع في الموانئ، والتي استمرت تقريبا منذ فبراير الماضي وحتى نهاية 2022.. كيف انتهت الأزمة؟

خلال هذه الشهور كانت النظريات والأفكار المجردة تملأ فضاء السوشيال ميديا، الكل يزعم أنه يملك الحل الذي تغفل الدولة عنه، لكن الاشتباك مع الواقع يختلف تماما عن كل تلك النظريات، لذلك لم يكن أمام الدولة المصرية إلا التعامل مع الأزمة على الأرض حتى الانتهاء منها تماما.

يتساءل الكثيرون بعد طرح كهذا عن الفرق الذي يجعل الدولة أقدر على فهم التحديات والتعامل معها من بعض المُنظرين، هل يمتلك المسؤول قدرات عقلية أقوى من الجميع مثلا؟

الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالقدرات العقلية، لكنه متصل تماما بحجم المعلومات المتاحة للدولة عن المعطيات والظروف الواقعية، مقارنة بمن يتحدث بمعزل عن المعطيات أو يفترض معطيات من تجارب أو دولٍ أخرى، دون أن يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق.

هذه هي مشكلة التنظير وآفته.. هذا ما يحدث طوال الوقت.. ولذلك يتبعد المنظرون تماما عن الواقع.