كاتب ومخرج فرنسى: هجمات «شارلى إيبدو» بداية العاصفة على أوروبا

كتب: وائل المشنب

كاتب ومخرج فرنسى: هجمات «شارلى إيبدو» بداية العاصفة على أوروبا

كاتب ومخرج فرنسى: هجمات «شارلى إيبدو» بداية العاصفة على أوروبا

«الهجمات الإرهابية الأخيرة فى فرنسا ليست سوى بداية»، هذا ما يؤكده الكاتب ومخرج الأفلام الوثائقية الفرنسى ميخائيل برازان، لـ«الوطن»، موضحاً أن هناك قرابة 5000 جهادى فرنسى موجودون الآن فى ساحات الحرب فى سوريا والعراق واليمن، ويمثلون قنابل موقوتة ستنفجر فى فرنسا وأوروبا لدى عودتهم. وأضاف مؤلف كتاب «الإخوان المسلمين.. آخر أيديولوجية شمولية» أن الفرنسيين يعيشون الآن صدمة غير مسبوقة، لأنهم يشعرون أن الجمهورية الفرنسية وقيمها هى من تتعرض للهجوم. وأكد «برازان»، الذى وثق كثيراً من أحداث المنطقة وثورات الربيع العربى فى كتبه وأفلامه الوثائقية، أن أوضاع المسلمين فى فرنسا وأوروبا غير واضحة الآن، لأن الكثيرين يربطون عن عمد أو جهل بين الإسلام والتطرف، خصوصاً فى ظل وجود دعاة ينتمون لجماعة الإخوان لا يتوقفون عن بث الكراهية وأعمال القتل فى أوروبا. ■ أود أولاً أن أتعرف منكم على الشعور العام لدى الفرنسيين اليوم بعد الهجمات الدامية؟ - الشعب الفرنسى اليوم مصدوم، ويعيش عاطفة غير مسبوقة، فأول ضحايا هذه السلسلة من الهجمات الإرهابية، كانت موجهة ضد الصحفيين ورسامى الكاريكاتير فى صحيفة «شارلى إيبدو»، التى كانت جزءاً من المشهد فى فرنسا منذ سبعينات القرن الماضى من خلال الفكاهة المتحررة والسخرية من كل شىء مقدس، ما يعد جزءاً من «العبقرية الفرنسية». فجأة، وجدت الغالبية العظمى من الشعب الفرنسى نفسها فى حالة تيتم وحداد. وبعد ذلك جرى قتل ضابط شرطة شاب مسلم، وأخيراً الهجوم على الحى اليهودى. لقد أدرك جميع الفرنسيين والعالم أن فرنسا وقيمها وحريتها وتسامحها والفرنسيين أنفسهم هو ما يوحد الشعب، فالجمهورية الفرنسية هى من تعرض للهجوم. وبعد الصدمة كانت لدينا إرادة للرد على تلك الهجمات من خلال القول نحن الفرنسيين متوحدون وسندافع عن قيم بلدنا، أياً كانت الاختلافات الموجودة بيننا. ■ هل تعتقد أن مثل تلك الهجمات ستتكرر فى أوروبا وفرنسا؟ - بلا أدنى شك، نعم ستتكرر الهجمات. ما حدث فى فرنسا لا يعد سوى البداية. هناك حوالى 5000 جهادى فرنسى سافر أغلبهم إلى مسرح الحرب فى سوريا والعراق واليمن، ونعلم جيداً أنهم قنابل موقوتة ستضرم النار فى فرنسا وأوروبا لبث الهلع وشق الصفوف بيننا. هم أدوات تخدم أجندة، وهذا ما أبرزته الهجمات، التى وقعت فى الأسبوع الماضى. بصراحة أنا لا أعتقد أننا فى فرنسا لدينا كافة الوسائل التى تستطيع وضعهم جميعاً تحت الرقابة، لأن بعضهم يتحركون بين الشقوق، ولذلك ستكون هناك هجمات أخرى. ■ هل ستعيد فرنسا النظر فى إجراءاتها الأمنية؟ وفى حالة حدوث ذلك هل سيكون لذلك الأمر انعكاسات على الحريات؟ - اتخذت وزارة الداخلية فى فرنسا بالفعل إجراءات بدأتها من يوم الأحد 11 يناير من خلال الرقابة على الحملات الدعائية على مواقع الإنترنت، التى تحض على الكراهية، وهناك تدابير سيتم اتخاذها فى القريب العاجل، وفيما يخص الحريات العامة والخاصة فينبغى الحفاظ عليها، كما أصبحت هناك ضرورة لسن تشريعات من أجل السماح بتداول المعلومات بين أجهزة الاستخبارات والشرطة والقضاء، وهى ما تعد أدوات أكثر فعالية لمواجهة الإرهاب، ولكنى أستبعد أن تستخدم فرنسا أساليب مشابهة لما فعله الأمريكان بعد 11 سبتمبر، لا، ولكن فى جميع الحالات يعد الحوار من العادات الفرنسية النشطة وهو موجود على الدوام ونحن محظوظون لأننا مجتمع مدنى بلا هوادة يعرف جيداً كيف يقاتل من أجل حرياته الخاصة، لذلك أنا أثق فى دور المؤسسات والمنظمات المدنية التى تعمل على التوازن الصحيح. ■ إذا افترضنا أن الداعى الرئيسى للهجوم على الصحيفة كان الرسوم المسيئة لنبى الإسلام، هل تعتقد أن صناع القرار فى فرنسا سيعيدون التفكير فى حرية التعبير من هذا النوع، خصوصاً أن ذلك يؤذى أيضاً مشاعر المسلمين المعتدلين؟ - فى البداية دعنى أوضح شيئاً ما وهو أن رسامى الكاريكاتير فى «شارلى إيبدو» لا يسعون بالمرة للتهكم على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، فأنا أعرفهم جيداً، ولا أعتقد أنهم كانوا يرغبون فى إيذاء مشاعر المسلمين، لأنهم لا يحبون العنصرية والتمييز، ولكنهم كانوا يسعون للتهكم ممن يدعون الكمال فى جميع الأديان، ولا يتركون أحداً إلا وتهكموا عليه من رجال دين ورجال سياسة، من منطلق أننا نعيش فى دولة علمانية لا يوجد بها شىء مقدس سوى الحياة الشخصية للمواطنين. فتاريخ فرنسا الحديث مناهض لفكرة الأديان، خاصة الكاثوليكية التى سيطرت على الأفراد والمؤسسات والسلطة حتى القرن التاسع عشر، أما بالنسبة للإرهابيين الذين قاموا باغتيالهم فنحن نعرف جيداً أهدافهم التى ترمى للترويع وشق الصفوف والتدمير، من أجل أن تعم الفوضى والحرمان من الحريات، وهو ما نشاهده فى العراق وسوريا وبلاد أخرى كثيرة. فرنسا ليست الدولة الوحيدة فى العالم التى تعرضت للهجوم عليها. هناك دول تعانى من الإرهاب منذ عقود فى العالم العربى مثل مصر، وهو ما يحتم علينا التعاون بشكل أفضل، خاصة فيما بين دول حوض البحر المتوسط، التى رغماً عن تنوعها التاريخى والحضارى والجغرافى فإن هناك شيئاً مشتركاً يربط بينها. ■ كيف سينظر الشعب الفرنسى ومثقفوه إلى الإسلام بعد تلك الهجمات؟ - من الصعب تحديد هذا الأمر الآن، ففرنسا فى هذه اللحظة فى وضع سيئ ودهشة بشكل كبير، ومن المؤكد أن هناك من سيقومون بكتابة شعارات عنصرية ومناهضة للمسلمين على أماكن العبادة، كما أن هناك فرنسيين يربطون بين الإسلام والإرهاب، وهو الأمر الذى نحاربه جميعاً (كحكومة وإعلام ومثقفين، وفى المدارس أيضاً)، فى بعض الأحيان نواجه صعوبات، ولكنى أعتقد أن غالبية الفرنسيين أذكياء ويعلمون جيداً أنه لا توجد علاقة بين الإسلام والتطرف. كما أود أن أضيف أن هناك من ينتمون للتيارات الدينية المتشددة يعملون على زيادة هذا الخلط، وعلى سبيل المثال هناك دعاة ينتمون لجماعة الإخوان لا يتوقفون عن بث الكراهية وأعمال القتل، فى الوقت الذى يوجد فيه رجال دين إسلامى ومعتدلون مسلمون يرفضون مثل تلك الأشياء، ولكنهم فى بعض الأحيان لا يستطيعون التعبير عن ذلك بشكل أكثر وضوحاً خوفاً من المتشددين، وبشكل آخر أعطت الهجمات الأخيرة الفرصة للمسلمين فى فرنسا وفى العديد من البلدان الأخرى لإدانة الإرهاب من خلال القول أن هذا لا يمثلهم ولا يمثل دينهم، وأعتقد أن هذا أمر جيد ومفيد، خاصة أن الحراك الشعبى الذى شهدته فرنسا فى أعقاب الهجمات سيعمل على تحسن الأمور، وسيخلق جواً من الترابط بين طوائف الشعب الفرنسى.