أكل اللحمة بالسم الهارى

خبر صغير نشرته جريدة «الوطن»، لكنه يقول الكثير. يشير الخبر إلى أن مقرر اللجنة المصرية لوضع المواصفات القياسية لاستيراد اللحوم قدّم استقالته بعد تراجع الحكومة عن قرارات اللجنة الرافضة لاستيراد لحوم وعجول تم حقنها بالهرمونات الطبيعية والمخلّقة، وأن الحكومة مارست ضغوطاً على اللجنة كى توافق على الاستيراد، لكنها رفضت بعد أن تأكد لديها أن الهرمونات المخلقة تؤدى إلى الإصابة بالسرطان! هل تصدق ما تقرأ: الحكومة تقوم بتسميم المواطنين، وتسمح باستيراد لحوم تؤدى إلى الإصابة بالسرطان، والذى يؤكد ذلك هو مقرر اللجنة المسئولة عن تحديد مدى مطابقة اللحوم المستوردة للمواصفات (الدكتور مصطفى عبدالعزيز)، ويثنى على كلامه الدكتور لطفى شاور، رئيس مجازر السويس، الذى نوّه إلى أن لجنة المواصفات تم تشكيلها بعد إثارة أزمة استيراد 22 ألف رأس عجل من أستراليا عام 2012 ثبت حقنها بالهرمونات الطبيعية والمخلقة والتى تتسبب فى إصابة من يأكلها بالسرطان؟! هل هذا معقول، أن يشارك مسئولون حكوميون فى تمرير هكذا صفقة، رغم تأكيد المختصين أنها تحمل كارثة على صحة المصريين؟!. مؤكد أن المسئولين المتورطين فى هذه الجريمة لا يفعلون ذلك لوجه الله، بل لوجه المستوردين من رجال الأعمال الذين يسيطرون على سوق اللحوم. ففى سبيل الحصول على حفنة من المال لا يهتم هؤلاء بالكوارث التى يلحقونها بأبناء هذا البلد. تخيل كيلو اللحمة الذى تشتريه بما يقارب الآن 80 جنيهاً يأتيك مسموماً ومشموماً، لا لشىء إلا من أجل أن يضاف المزيد إلى أرصدة مستوردى اللحوم والمسئولين المتواطئين معهم فى هذه الجريمة. وليس ثمة من سبيل أمامك إلا «أكل اللحمة بالسم الهارى»، لأن سوق اللحوم كما تعلم يتحكم فيها مجموعة من المحتكرين الذين لا يسمحون لغيرهم بالاستيراد، ليس من أجل خفض الأسعار هذه المرة، ولكن لإنقاذ المصريين من «السرطان». ولم يكن لهؤلاء أن يحتكروا الاستيراد لولا دعم مسئولين حكوميين لهم، إنها شبكة تشبه شبكات «المافيا» التى تتاجر فى صحة المصريين. تلك صورة من صور الفساد الذى عشش فى حياتنا طيلة العقود الماضية وقامت الثورة من أجل هدمه، فإذا به يجحظ بعينيه من جديد ويُخرج لسانه، ويقول لنا: الكلمة العليا للفساد والمفسدين، وكلمة الثورة التى نحتفل عما قريب بذكراها الرابعة أصبحت فى خبر كان. الخبر الذى يحكى هذه المصيبة منشور على الصفحة الثانية بجريدة الوطن فى عددها الصادر بتاريخ 15/1/2015، إذا أراد كبير الحكومة أن يقرأ، ليتحرك من أجل إيقاف هذه المهزلة، ولديه رئيس مجازر السويس ورئيس لجنة المواصفات، وكلاهما لديه الكثير من المعلومات عن هذا الموضوع. أتعشم أن يُظهر المهندس «محلب» كرامة هذه المرة، ويأخذ قراراً يوضح لنا الصورة. كنت وما زلت أميل إلى الكتابة عن أداء الحكومة دون انتظار رد منها، لكن الأمر مختلف هذه المرة، لأنى أنتظر رداً على هذا الموضوع، والأمر متروك لكبير الحكومة، فإن لم يفعل فأرجو ألا يخذلنى كبير البلد الذى وثق فيه المصريون، ويتحرك من أجل مواجهة الفساد الذى غطى الركب ووصل إلى تطفيح المصريين اللحوم بـ«السم الهارى»!