«الغطاس» عيد مسيحي بطعم مصري.. (ملف خاص)

كتب: كيرلس مجدي

«الغطاس» عيد مسيحي بطعم مصري.. (ملف خاص)

«الغطاس» عيد مسيحي بطعم مصري.. (ملف خاص)

طقوس مصرية متوارثة أجيالاً بعد أجيال، واحتفالات مرتبطة بالهوية المصرية، ومأكولات مصرية، وتفانين شعبية، كلها تضفى أجواءً من البهجة والسعادة على المصريين عموماً والمسيحيين بشكل خاص، فى احتفالات عيد الغطاس المجيد.

وتتجلى مظاهر الاحتفال خلال ليلة عيد الغطاس، حيث تبدأ بقداس صباحاً يُسمى قداس البرامون، ويصوم فيه المسيحيون صباحاً انقطاعياً عن الأكل والشرب تماماً، ويستكملون اليوم بالصوم دون تناول الأسماك، فيما يبدأون صوماً آخر انقطاعياً من الساعة الثالثة عصراً حتى منتصف الليل لمن يرغب بالتناول فى القداس الإلهى. تلك الأجواء تُختتم بالإفطار مع منتصف الليل بأكل الأرز والقلقاس والدواجن أو البط، وأكل القصب والبرتقال واليوسفى بعد ذلك، كفلكلور شعبى اعتاد عليه المسيحيون خلال أيام العيد.

وبين الطقس الكنسى والفلكلور الشعبى قصص كثيرة، تتّفق ضمنياً مع أجواء الاحتفال بعيد مميز على غرار عيدى الميلاد والقيامة المجيدين. «الوطن» ترصد هنا بعض مظاهر الاحتفالات الشعبية والمسيحية بعيد الغطاس وترصد أجواء قداسات عيد الغطاس فى القاهرة والإسكندرية ومختلف المحافظات.

لأول مرة.. البابا يترأس قداس العيد من القاهرة.. واحتفالات بالمحافظات

الغطاس من الأعياد السيدية التى جمعت الطوائف المسيحية حول العالم، وحتى المسلمون فى مصر يشاركون فى طقوسها، حيث يتم الاحتفال بهذا العيد بتناول الأقباط والمسلمين القصب والبرتقال واليوسفى والقلقاس والزلابية المغموسة بالعسل، والتى ترمز إلى ولادة جديدة لحياة الإنسان من خلال التخلص من الخطايا والذنوب والتسليم لله، وهو يوافق 11 طوبة، 19 يناير من كل عام.

ولأول مرة هذا العام يترأس البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قداس عيد الغطاس من المقر البابوى بالقاهرة، على غير المعتاد، بأن يكون بالإسكندرية. فيما أقيمت قداسات أمس على مستوى المحافظات من الساعة 6 مساءً حتى الساعة 12 منتصف ليل أمس، وعمّت احتفالات وأفراح عيد الغطاس جميع المحافظات، احتفالاً بهذا العيد الذى يقترن بطقوس متوارثة منذ قرون فى مصر.

وتُعد هذه هى المرة الأولى التى يتغيب فيها بابا الكنيسة القبطية منذ تجليسه على الكرسى المرقسى فى 2012 عن ترؤس احتفالات عيد الغطاس فى الإسكندرية، وذلك بالتزامن مع نصائح الأطباء له بالراحة. وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد الغطاس المجيد، ثالث الأعياد السيدية فى العام الميلادى، بذكرى تعميد السيد المسيح فى نهر الأردن على يد يوحنا المعمدانى، ويقص الكتاب المقدس قصة المعمودية قائلاً: حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا منعه، قائلاً: (أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتى إلى!). فأجاب يسوع وقال له: (اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر). حينئذ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله، وذلك وفق العقيدة المسيحية، التى ترى أيضاً أن التعميد تم من خلال ارتداء السيد المسيح ملابس بيضاء، ثم بيد القديس يوحنا المعمدانى يتم التغطيس فى نهر الأردن 3 مرات، وترمز الأولى للموت مع المسيح، والثانية للدفن مع المسيح، والثالثة للقيامة والعودة كإنسان جديد، وفق ما ذكره الموقع الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

ووفق الأنبا أرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى، ترفع الكنيسة البخور، استعداداً للاحتفال بعيد الغطاس، أو تذكار يوم معمودية المسيح فى نهر الأردن، وتبدأ الطقوس التى تتبعها الكنيسة بـ«اللقان»، وهو إناء معيّن يتم غسله بشكل جيد، ويُملأ بالماء العذب، ويوضع على المنضدة، ويتم وضع على يمينه وشماله شمعتان، وتبدأ بعدها مراسم اللقان، أى تبريك المياه، حيث نطلب من الله أن يكون فيه بركة نهر الأردن الذى تعمّد فيه السيد المسيح، ثم يتم رشها على الحاضرين للبركة، ويُختتم بصلوات القداس الإلهى.

وقال الأنبا أرميا إن من أشهر مظاهر الاحتفال بعيد المعمودية فى مصر، تناول وجبة القلقاس، الذى ارتبط بالغطاس، لأنه يرمز إلى الطعام السام الذى يصلح بالماء ليصبح مغذياً. ويفسّر هذا قائلاً إن القلقاس يحتوى على مادة سامة إذا تم تناوله بشكله طبيعى قد يؤذى الإنسان، كما أن ثماره تكون مدفونة فى باطن الأرض ثم يخرج ليصبح طعاماً للبشر، والمعمودية هى دفن للبشر، كما يقول معلمنا بولس الرسول «مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضاً معه»، كما أنه يتم تقشيره والتخلص من قشرته، وهو ما يرمز إلى التخلى عن الخطايا. وأضاف أن القصب يرمز إلى السمو الروحى، واليوسفى والبرتقال فهما من الأطعمة الغنية بالماء ومذاقهما الحلو، وهو رمزية إلى بركة المعمودية ونيل مغفرة الخطايا، كما أنه يتم استخدام برتقال لصنع الفوانيس المزينة بالصلبان، وهى عادة قبطية ومصرية قديمة.

ولأن عيد الغطاس يرتبط بالمعمودية يُفضل الكثيرون من الأقباط الأرثوذكس تعميد الأطفال الذين وصلوا إلى السن المناسبة، التى تكون «40 يوماً للذكور و80 يوماً للأنثى»، ويتم من خلال إعطاء الطفل للكاهن الذى يرسم الصليب على جبين الطفل، ثم تعميده فى المعمودية، التى توجد فى الكنائس.

ويقول القس بولس حليم، بكنيسة الشهيد مارجرجس القبطية الأرثوذكسية بالقللى، إنه فى القرون الأولى وحتى الآن، بعد أن يخرج المعمّد من المعمودية يتم تلبيسه ملابس بيضاء، كرمز إلى أنه أصبح من سكان السماء، كما أنه يكون قادراً على تناول الأسرار المقدسة، التى ترمز إلى طعام السماء. وأضاف أنه يتم منح المعمّد الجديد اسماً جديداً، مثلما يحدث فى السماء، فيقول الكتاب المقدس «وأعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذى يأخذ»، كما أنه يعطى كوباً من اللبن بالعسل، لأنها رمزية الأبدية.

وتابع «حليم» قائلاً إن المعمّد يدخل من الباب الأوسط فى الكنيسة، باعتباره بعد التعميد أصبح عضواً حياً فى الكنيسة التى هى صورة للسماء، كما أن المعمد يخرج من جرن المعمودية مولوداً جديداً بثياب جديدة ويصير الإنسان مواطناً سماوياً.


مواضيع متعلقة