«الست وسيلة».. أغفلها التاريخ وتحوَّل منزلها إلى «بيت الشعراء»

كتب: آية المليجى

«الست وسيلة».. أغفلها التاريخ وتحوَّل منزلها إلى «بيت الشعراء»

«الست وسيلة».. أغفلها التاريخ وتحوَّل منزلها إلى «بيت الشعراء»

للوهلة الأولى تظن أنه مجرد مبنى ملحق بأحد المبانى الأثرية العريقة، بوابته الصغيرة لا توحى سوى بذلك، لكن فى حقيقة الأمر ستجد نفسك فى حرم ملتقى الشعراء، فعلى مدار سنوات طوال اتخذ الأدباء من المنزل الأثرى، الذى يحمل اسم «الست وسيلة»، مصدر إلهام للخروج بأجمل القصائد الشعرية، وكأنهم يحيون من جديد المعنى الحقيقى لاسم صاحبة المنزل.

«عم أشرف»: المكان أشبه بالمتاهة لتضليل اللصوص.. ومزيَّن بجداريات منقوشة

خطوات معدودة من جامع الأزهر تفصلك عن «الست وسيلة»، المنزل المقابل لـ«زينب خاتون»، ويعرف بين سكان المنطقة بـ«بيت الشعراء»، على أبوابه تجد حارس المجموعة الأثرية «عم أشرف عبدالكافى» واقفاً بابتسامته العريضة، مرحباً بالزائرين، يصطحبهم فى جولة داخل المنزل الذى يحمل من النقوش والزخارف الجدارية ما لا عين رأت من جمالها.

ما إن تطأ قدماك داخل المنزل، حتى يسارعك الحارس الستينى بتعريف هوية «الست وسيلة»، فهى «وصيفة عديلة هانم ابنة إبراهيم بك الكبير»، آخر من سكنت المنزل، لذلك عرف باسمها، لكن فى حقيقة الأمر يعود تأسيس المنزل إلى «الحج عبدالحق وشقيقه.. أولاد محمد الكنانى» فى العام 1664 ميلادياً، فما يسرده «عم أشرف» من ملامح تاريخية حفظها عن ظهر قلب من الوثائق التاريخية المدونة عن كل مبنى أثرى: «كل بيت أثرى له وثيقة لازم اقرأها وأعرفها كويس، عشان لو حد سألنى عن معلومة أكون جاهز».

من صحن المنزل الأثرى تبدأ الجولة، وسرعان ما تلاحظ أن تصميم المنزل جاء بالطريقة المعهودة للمنازل فى هذه الفترة الزمنية التى تحافظ على حرمة أهل البيت، كما يحتوى الصحن على عدة غرف لكل منها مهامها الأساسية، ما بين «مخزن الحبوب» و«إسطبل الخيول» و«حوض للمواشى» وغيرها من مرافق المنزل، لكن للزمن دورته، إذ تحولت غرف الصحن إلى معالم أثرية خالية من محتوياتها، وقاعات مخصصة للأنشطة الثقافية.

وبحسب «الحارس الستينى»، بعد الانتهاء من مواعيد العمل الرسمية كمكان أثرى، تنعقد الأنشطة الخاصة بوزارة الثقافة، وذلك منذ عام 1998، حيث تقام الندوات الشعرية بصفة يومية، يحضرها رواد ومحبو الأدب: «المكان عليه إقبال كبير من سياح ومصريين وطلاب».

تصعد للطابق الثانى وتتضح الملامح المميزة للمنزل عن سائر ما حوله من منازل، فبحسب «أشرف»، فإن تصميم المنزل أشبه بـ«المتاهة»، إذا كنت فى زيارتك الأولى بالتأكيد تحتاج لمرافق يدلك على معالمه، حتى لا تضل طريقك داخل المنزل: «همّا قاصدين يبنوا المنزل بالطريقة دى عشان لو فيه حرامى دخل المنزل يسرق مايعرفش يخرج منه».

لم يكن تصميم «المتاهة» هو السمة الوحيدة المميزة للمنزل، لكن الجداريات المنقوشة على الجدران سرعان ما تخطف الأنظار لدقة تصميمها وتجسيدها لمناطق وعواصم عربية، فهنا جدارية تمثل مدينة إسطنبول بمعالمها، يجاورها أخرى تجسد المدينة المنورة ومكة المكرمة، فهى آخر جداريات اكتشفت بالمنزل وقت ترميمه، الذى انتهى فى عام 2005.

ترميم المنزل كشف عن كثير من معالمه، فالجولة الأثرية ما زالت مستمرة، ليأخذك «عم أشرف» إلى العديد من الغرف التى ما زالت تحتفظ بما تبقى من معالمها الأثرية، ومنها إلى غرفة «الساونا»، وهى من أجمل الحمامات المزينة بالعمارة الإسلامية والزخارف الملونة الخاطفة للأنظار.

ووسط ما كشفت عنه عمليات الترميم، كان «حجاب المحبة» الذى عثر عليه داخل غرفة «الحاج لطفى»، فعلى الأرجح صنعته زوجته السيدة «صفية» حتى لا يتزوج عليها بأخرى، بحسب حديث «عم أشرف»، فى الجولة التى انتهت من أمام غرفة الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، مدير «بيت الشعر»، حيث ينعقد داخل المنزل الصالونات الأدبية، ليتغنى الشعراء بأشعارهم، وسط ما تبقى من معالم «الست وسيلة».

ورغم أن الحكايات التاريخية للمنزل الأثرى تبوح بأسرارها، وتزداد بـ«بيت الشعراء»، لكن يبدو أنها توقفت عند السكان المحيطين به، فعلى الأغلب هم لا يدركون سوى أنه منزل أثرى يحمل اسم سيدة مجهولة فى أذهانهم.

«حسن سيد» من مواليد منطقة الأزهر، لكنه لا يعرف هوية «الست وسيلة»، ولم يثِره الفضول يوماً لزيارة منزلها، رغم تجاوزه الأربعين من عمره، فهو يقطن بين أرجاء المناطق الأثرية، ويكتفى بكونه مرشداً للضالين بين الأماكن الأثرية: «ماعرفش عنها حاجة، وما كانش عندى فضول أشوفه، ولما الناس بتسألنى عنه، بوصف لهم وخلاص».

المشهد ربما اختلف قليلاً عند فتوح محمد، من سكان منطقة الدرب الأحمر، الذى ينتهز الفرصة من حين لآخر لزيارة مكان أثرى، ربما على فترات متباعدة، مكتفياً برؤية أماكن تسر نظره من إبداع تصميمها، وكان من بينها منزل «الست وسيلة»، إذ زاره الرجل الخمسينى مرة واحدة طيلة حياته.

ورغم زيارة «فتوح» للست وسيلة، لكنه لا يعرف عنها الكثير، سوى ما سمعه من حارس المنطقة الأثرية «عم أشرف»: «هو كمبيوتر بالنسبة لنا، عارف كل حاجة، قال لى معلومات عنها بس نسيتها».

نادية عمارة، مفتشة آثار بمشروع القاهرة التاريخية، ومشرفة على صيانة المنزل وقت ترميمه، ذكرت خلال حديثها لـ«الوطن»، أن «الست وسيلة» لم يذكر التاريخ كثيراً من المعلومات عنها، سوى أنها معتوقة، أى أنها وصيفة للسيدة عديلة هانم ابنة إبراهيم بك الكبير، تزوجت بعد ذلك من الأمير سليمان أغا السلحدار، وأهداها المنزل للعيش بداخله، وانتقلت إليها ملكيته.

أما عن تاريخ تأسيس المنزل، ذكرت «نادية» أنه أُسس على يد الحج عبدالحق وشقيقه لطفى ابنى المرحوم الكنانى، وذلك فى عام 1663 ميلادياً، وأجرى عملية ترميم للمنزل فى 2005 ومن ثم افتتاحه كـ«بيت الشعراء».

 

 


مواضيع متعلقة