طوفان الأسعار يُغرق اقتصاديات الدول العظمى.. تضخم واحتجاجات وهبوط في مستوى المعيشة
احتجاجات في بريطانيا على غلاء المعيشة
خرج الاقتصاد العالمى من 2022 وهو فى وضع مضطرب، بفعل الأحداث الضخمة التى شهدها العالم خلال هذا العام، وخصوصاً الأزمة الأوكرانية التى تُرجِمَت أعباؤها ارتفاعاً بأسعار السلع الأساسية كالطاقة والغذاء، فضلاً عن الارتفاع الكبير فى نسب التضخم، ولجوء المصارف المركزية إلى رفع مستويات الفائدة ما انعكس ارتفاعاً فى معدلات الديون وانهياراً بأسواق الأسهم العالمية.
وفى ظل هذه البيئة الصعبة، لا يضع المستثمرون فى العالم آمالاً كبيرة فى أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال العام الجديد 2023، فالمؤشرات الحالية تخبرنا بأن هناك الكثير من المخاطر التى تتربص بالاقتصاد العالمى، أبرزها خطر «البجعة السوداء» الذى حذّر منه رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الأسبق آلان جرينسبان والذى يتجسد بوقوع المحظور من خلال قيام الصين بالهجوم العسكرى على تايوان، وهو ما ستكون انعكاساته كارثية على العالم أجمع.
و«البجعة السوداء» هو مصطلح يعنى وقوع أحداث لا يمكن التنبؤ بها، مثل الأزمة المالية العالمية فى 2008 أو الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فى العام الماضى، التى تنتهى بعواقب غير متوقعة وشديدة على الأسهم وفئات الأصول المالية الأخرى.
كما أن العالم يواجه مخاطر من عدم قدرة الدول أو البنوك المركزية، خصوصاً البنك المركزى الأوروبى والاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، على الحد من نسب التضخم المرتفعة جداً، إضافة إلى أن الآليات التى اعتمدتها هذه البنوك برفع أسعار الفائدة، تعتبر من أهم الآليات للحد من التضخم، ولكن فى حال ارتفعت أسعار النفط والغاز مرة أخرى، فقد تصبح هذه الآليات غير ناجحة ومن هنا يأتى القلق من عدم القدرة على السيطرة على التضخم.
وارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير فى بريطانيا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، مع وجود تحديات كبيرة تواجهها الحكومة البريطانية مع استمرار معدلات التضخم المرتفعة التى ألقت بظلالها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية فى عموم المملكة المتحدة.
ويسعى رئيس الوزراء البريطانى، ريشى سوناك، لمعالجة التضخم الذى سيستغرق فترة طويلة، وسجل معدل التضخم مستويات هى الأعلى منذ 40 عاماً متتالية، وهو ما يشكل تهديداً اقتصادياً غير مسبوق داخل المملكة، وهو ما انعكس على الحياة المعيشية للمواطنين البريطانيين ودفع العاملين فى عشرات القطاعات إلى تنظيم إضرابات غير مسبوقة للمطالبة بأجور تواكب موجة الغلاء وارتفاع الأسعار.
ويرى خبراء أن ما تمر به بريطانيا من أزمات اقتصادية ذات تداعيات اجتماعية واضحة، يأتى نتاجاً للعديد من المعضلات السياسية والاقتصادية التى مرت بها البلاد على مدار السنوات الست الماضية، أبرزها خروجها من الاتحاد الأوروبى «البريكست» وجائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية نتيجة الأزمة الأوكرانية.
وتواجه بريطانيا أكبر هبوط فى مستويات المعيشة منذ بداية تدوين ذلك فى السجلات، إذ تؤثر أزمة تكاليف المعيشة على الأجور بشكل سلبى، واتضح أن الدخل المتاح للعائلات سوف يقل بنسبة 7% حين تعديله لمواكبة ارتفاع الأسعار فى السنوات المقبلة. وقد زادت عائدات الضرائب فى بريطانيا بقيمة 55 مليار دولار مع تقليص فى النفقات سوف تخفف من أثر الأزمة الاقتصادية وتقلل من عدد فرص العمل المفقودة، وارتفعت أسعار الطاقة والمواد الغذائية بشكل كبير بسبب الحرب فى أوكرانيا وجائحة كورونا، وهى تمارس ضغطاً على ميزانيات العائلات.
ويتوقع أن يؤدى ارتفاع الأسعار إلى انخفاض قيمة الأجور وخفض مستوى المعيشة بأعلى نسبة منذ عام 1956، وأن يتعافى دخل العائلات بعد تعديله ليواكب التضخم، لكنه سيبقى أقل من مستوى ما قبل الجائحة، وستبلغ هذه النقطة عام 2028. وسيؤدى ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة الفائدة إلى حالة كساد فى الاقتصاد سوف تستمر أكثر قليلاً من سنة، وتسعى الحكومة البريطانية لترشيد النفقات العامة، ما سيساعد فى استعادة ثقة المستثمرين الدوليين، بعد الجدل الذى أثارته الميزانية المصغرة فى شهر سبتمبر الماضى.
ويتوقع أن يرتفع التضخم بصورة أكبر داخل بريطانيا خلال الأشهر المقبلة، ويتوقع أيضاً أن يتجمد النمو الاقتصادى فى المملكة المتحدة تقريباً عند نسبة 0.3%.
الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن أزمة جديدة في الطاقة.. وتفاقم أسعار الكهرباء بسبب 4 اضطرابات في الطقس
وراجعت المؤسسة الدولية توقعاتها لكل البلدان المتقدمة تقريباً ولثلثى البلدان الناشئة أو النامية، على أن تسجل الولايات المتحدة خصوصاً نمواً ضعيفاً (0٫7%) مع انعدام النمو فى أوروبا قبل انتعاش ضعيف فى عام 2024 نسبته 2٫7%.
فرنسا تعاني من ارتفاعات جنونية في أسعار الطعام والشراب والملابس والطاقة
كما تعيش روسيا الاتحادية أوضاعاً اقتصادية طاحنة فى الوقت الحالى مع اقتراب مرور عام على الأزمة الروسية الأوكرانية فى ظل ارتفاع الأسعار فى البلاد والتضخم المتزايد.
وارتفعت أسعار الديزل فى البلاد بنسبة 8.4% مع تضخم وصل إلى 11%، وارتفع البنزين أيضاً بنسبة 0.6%، على الرغم من أن روسيا من أكبر الدول المصدرة للنفط والغاز فى العالم إلا أنها لم تسلم من ارتفاع الأسعار. وقال ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسى، فى تصريحات رسمية له: «فى العام المقبل، سنراقب الوضع عن كثب، بالاشتراك مع خدمة مكافحة الاحتكار الفيدرالية حتى لا تتجاوز الزيادة فى السعر معدل التضخم ولهذا الغرض لدينا مثبط، وهو أداة فريدة من نوعها لتخفيف التقلبات فى الأسعار العالمية».
نائب رئيس الوزراء الروسي يلجأ لتطبيق الزيادة العادلة لتخفيف حدة التقلبات في الأسعار
وكشف تقرير غربى أن روسيا تخسر 160 مليون يورو يومياً بسبب الحظر النفطى عليها المفروض من قبل دول مجموعة السبع الكبار والاتحاد الأوروبى بعد أن حددوا سعر برميل النفط الروسى بـ60 دولاراً فقط، وقد تزيد الخسائر اليومية الروسية لتصل إلى 280 مليون يورو عقب 5 فبراير المقبل الذى يعد موعداً نهائياً حددته المفوضية الأوروبية للتخلص تدريجياً من كل الواردات المنقولة عبر البحر من منتجات البترول من روسيا.
ويبدو أن الأزمة تنتقل من أوروبا وآسيا إلى أفريقيا فى مشهد درامى، إذ أعلنت زامبيا الواقعة وسط القارة الأفريقية أن لديها أزمة كبيرة فى السلع الغذائية فى ظل الأزمة الأوكرانية خاصة بعد ارتفاع أسعار الوقود بالبلاد. وتشهد الأسعار فى الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعات غير مسبوقة فى ظل إعلان البلاد أن أسعار الكهرباء سجلت ارتفاعاً واسعاً بسبب أزمة الطاقة التى يشهدها العالم نتيجة الأزمة الأوكرانية. وتفاقمت الأوضاع بأمريكا فى أسعار الكهرباء بعد مرور البلاد بـ4 اضطرابات فى الطقس بسبب البرد الشديد والفيضانات التى ضربت البلاد الفترة الأخيرة، وأصبح سعر الكهرباء فلكياً لكل ميجا وات مسجلاً متوسطاً 160 دولاراً، وارتفعت فى بعض الأماكن لتصل إلى 182 دولاراً لكل ميجاوات فى ظل عاصفة «يورى» الطقسية.
بريطانيا تشهد أكبر هبوط في مستويات المعيشة وتراجع في الدخل بنسبة 7%.. وزيادة عائدات الضرائب بـ55 مليار دولار
كما أصبح وزير المالية الألمانى، كريستيان ليندنر، مهدداً برفع الحصانة عنه فى ظل التضخم الذى أصاب البلاد جراء اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وسط تخوف كبير لأن ألمانيا هى قلب الاقتصاد الأوروبى ويتم طبع عملة الاتحاد الأوروبى «اليورو» فيها.
جاء التهديد برفع الحصانة فى ألمانيا عن الوزير بعد إعلان أن بلاده ستشهد ارتفاعاً فى أسعار الطاقة خلال الفترة المقبلة مع توقعات بوصول التضخم إلى 7% ولكن فى عام 2024، وجاء ارتفاع سعر الطاقة فى البلاد لأن ألمانيا تعتمد على الغاز الروسى بنسبة تتجاوز 50% وقطعت روسيا عنها الإمدادات، ما أدى إلى رفع أسعار الغذاء والسكن والمشروبات وتقليل بعض الشركات للعمالة.
ألمانيا تواجه موجة تضخُّم هي الأكبر في تاريخها والشركات تلجأ لرفع الأسعار والاستغناء عن العمال
أما أسعار الطاقة فى ألمانيا، فتطير محلقةً بعيداً بعد أن ذكر موقع «تاجس شو» أن أسعار البنزين والديزل فى ألمانيا ارتفعت فى عام 2022، إذ وصل سعر البنزين إلى 1.86 يورو أما الديزل فكان أغلى ووصل إلى 1.95 يورو، وأرجع الموقع السبب فى الزيادة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية.
ومع كل صباح، يضع المواطن الفرنسى هاتفه بجانبه ليرى آخر أخبار الأسعار التى ترتفع كل يوم بشكل جنونى فى 3 مجالات رئيسية تشمل الطعام والشراب والملابس والطاقة فى ظل اقتراب مرور عام على اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية.
فرنسا تعاني من ارتفاعات جنونية في أسعار الطعام والشراب والملابس والطاقة
وشهدت باريس احتجاجات واسعة فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة خاصة أن روسيا أكبر مصدر للغاز لأوروبا قطعت الإمدادات منذ عدة أشهر فى محاولة للضغط على أوروبا التى سبقتها وفرضت عقوبات على موسكو أضرت باقتصادها طوال العام الماضى، وجاءت المظاهرات فى فرنسا رداً على نية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون رفع سن التقاعد وسط رفض شعبى لهذا الأمر فى ظل تضخم كبير يعانى منه اقتصاد البلاد وسط رغبة شعبية فى إجراء إصلاح فى المؤسسات.
اللافت أن الاحتجاجات لم تشهد أى أشكال عنف أو اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، ويرفع المحتجون لافتات تطالب بالرغبة فى حل أزمة التضخم وتقليل أسعار الطاقة التى ارتفعت بشدة، وبلغ عدد التجمعات 58، وشارك فيها 2700 شخص بحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية.