العراق يبتسم.. من حقه
آن للحضارة العريقة أن تُشرِق بالفرحة وتذوق طعم البهجة بعد عقود من الآلام والجروح التى ما زالت تنزف من جسده العليل. مظاهر الاحتفاء والفخامة التى ظللت مدينة البصرة فى افتتاح بطولة كأس الخليج «خليجى 25» لاقت صدى واسعاً فى الأوساط العربية إلى درجة مقارنة فعالياته بافتتاح كأس العالم 2022 فى قطر، وفق تصريحات إعلاميى ومسئولى اتحاد كأس الخليج «إنه الأجمل فى تاريخ دورات البطولة.. فقد اختزلت صوره الفنية الرائعة آلاف الأعوام من التاريخ العراقى». بل حظى الافتتاح بإشادة خاصة خلال كلمة جيانى إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» بالتعبير عن سعادته بالوجود فى العراق مشيداً بالتنظيم وحفل الافتتاح.العرس الخليجى بكل مظاهر ترحيب سكان مدينة البصرة تجاه ضيوفهم، حيث امتلأت شوارع البصرة بموائد الطعام فى تقليد مغزاه الترحيب بالضيوف القادمين من سائر دول الخليج، بالإضافة إلى فرق تعرض الفنون الشعبية مرددين أهازيج الترحيب العراقية. إذ يمثل هذا الحدث الرياضى تحدياً للعراقيين الذين راهنوا على نجاحه رغم الظروف والأوضاع الصعبة التى يمر بها العراق، لكن الإصرار على ظهور كل تفاصيل التجهيزات سواء فى الملاعب أو المرافق على أرقى مستوى لا يختلف عن مثيله فى دول الجوار. بنفس درجة الحماس تجاوبت الدول الخليجية التى ترى فى «خليجى 25» انطلاقة لفتح صفحة جديدة للخروج من ربط مسار العراق بطرف إقليمى محدد.. نفض غبار المعاناة.. والأهم عودة بلاد الرافدين إلى الحضن العربى والخليجى. الحضور المصرى الداعم لهذا المسار أيضاً كان ممثلاً فى مشاركة أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة حفل الافتتاح ولقاءاته مع وزراء الشباب من مختلف دول الخليج. تحديداً أن الأجواء المفعمة بالحميمية هى متنفس شعبى للخروج من آلام عقود وأعادت الابتسامة إلى بيت كل عراقى.. بالإضافة إلى مواكبتها احتفالات الذكرى السنوية 102 لتأسيس الجيش العراقى.أجواء التوترات التى أدخلتها السياسة والحروب على المنطقة أعاقت احتضان العراق للبطولة منذ إقامة أول دورة للبطولة على أراضيه عام 1979، ليتم إقصاؤه إثر غزو الكويت بعدما كان أحد أركانها التأسيسية. كما ألقت ظلال السياسة على دواعى ابتعاد العراق عن هذه المناسبة الرياضية.. فإنها لم تغب عن ملابسات العودة لها. وسط كل الأزمات التى تجاوزت المائة يوم، انتفضت إيران لتقديم الاحتجاجات والشكاوى على اسم البطولة، الاتحاد الإيرانى لكرة القدم قدم شكوى أمام «الفيفا» على تعبير «الخليج العربى» واصفاً إياه باللقب المجهول.. الاحتجاجات امتدت لتطول إنفانتينو بسبب ذكره تعبير كأس الخليج العربى أثناء كلمته، بل انتقد الإعلام الرسمى الإيرانى حضوره مباراة الافتتاح بين العراق وعمان. مساحة الغضب امتدت إلى البرلمان الإيرانى إذ بادر إلى توجيه أقسى الانتقادات إلى رئيس الوزراء شياع السودانى والزعيم الشيعى مقتدى الصدر مطالباً كل منهما بالاعتذار عن إطلاق عبارة الخليج العربى فى إشارتهما للبطولة.. أخيراً استدعى وزير الخارجية الإيرانى سفير العراق لتسليمه مذكرة احتجاج. درجة استعلاء بلغ مداها التهديد خلال جلسة برلمان بتذكير العراق بالحرب العراقية - الإيرانية وقدرة الثانية على تكرار هذه التجربة المريرة. بالإضافة إلى حالة الاستنفار بين الدوائر الرسمية الإيرانية نتيجة تقارب العراق -التى تعتقد أنه يجب أن يبقى رهينة للمشروع السياسى والثقافى الإيرانى- من محيطه الخليجى والعربى. الأسماء والصفات ليست مجرد دلالات، هذا التناحر قد يبدو من بين أصغر الخلافات، لكنه ينم عن مستوى التحفز على امتلاك السيطرة على المشهد العراقى، ويؤخذ على محمل الجد من قبل العديد من المهتمين بالمنطقة، بما فى ذلك البحرية الأمريكية، التى تستخدم مصطلح الخليج العربى.يعود كأس الخليج إلى البصرة ليرفع صوت الخليج العربى وشط العرب، يعود عربياً لتتضافر هذه المناسبة الرياضية المهمة مع كل القمم والمبادرات السياسية التى عززت هذا المسار خلال الأعوام الماضية