الأنبا إرميا يكتب: «المحبة.. التسامح.. السلام»

كتب: نوران علام

الأنبا إرميا يكتب: «المحبة.. التسامح.. السلام»

الأنبا إرميا يكتب: «المحبة.. التسامح.. السلام»

يحتفل مسيحيو الشرق بـ«عيد الميلاد» المجيد فى التاسع والعشرين من كيهك (السابع من يناير)، حيث وُلد «السيد المسيح» بمدينة «بيت لحم» بفلسطين. وفى ليلة الميلاد، أعلنت السماء ميلاداً متفرداً لا نظير له، فطفِقت الملائكة ترنّم بأنشودة من العلاء: «وظهر بغتةً مع الملاك جمهور من الجند السماوىّ مسبّحين الله وقائلين: المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».

وفى الميلاد، جاء «السيد المسيح» معلناً أنه أتى ليقدم إلينا الحياة: «أتيتُ لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل»، واهتمت تعاليمه بتقديم رسالة المحبة والتسامح والسلام إلى البشرية.

المحبة

قدَّم «السيد المسيح» إلى العالم رسالة المحبة، فعلَّم بأن أولى الوصايا الإلهية للإنسان هى محبة الله وأخيه الإنسان؛ فعندما سأله أحد الناموسيِّين عن أولى الوصايا أجاب بأنها محبة الله ومحبة القريب كالنفس: «يا معلم، أية وصية هى العظمى فى الناموس؟». فقال له يسوع: «تُحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هذه هى الوصية الأولى والعظمى. والثانية مِثلها: تُحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء».. كذلك أوصى السيد المسيح تلاميذه بالسلوك فى المحبة: ««هذه هى وصيتى: أن تُحبوا بعضكم بعضاً». بل صارت المحبة هى علامة التلمذة والتبعية للسيد المسيح: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذى: إن كان لكم حب بعضاً لبعض». بل تصل المحبة بالإنسان إلى محبته لأعدائه! ففى العظة على الجبل يقدم «السيد المسيح» وصيته: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم».

وقد أدرك التلاميذ والرسل والآباء أهمية وصية المحبة، حتى صارت حياتهم وتعاليمهم ورسائلهم تؤكدها، فيذكر القديس «يوحنا الرسول»: «الله محبة، ومن يثبُت فى المحبة، يثبُت فى الله والله فيه». ويقول: «أيها الأحباء، لنُحب بعضنا بعضاً، لأن المحبة هى من الله».. بل إن المحبة للآخرين هى علامة المحبة لله: «إن قال أحد إنى أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذى أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذى لم يبصره؟»، ولنا هذه الوصية منه: «أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً».. كذلك يؤكد القديس «بولس الرسول»: «اسلكوا فى المحبة».

التسامح

كذلك أوصى «السيد المسيح» بالتسامح والغفران، ووضعهما شرطاً للحصول على غفران الله، ففى عظته على الجبل يقول: «اغفروا يُغفرْ لكم». وفى الصلاة التى علَّمها لتلاميذه: «واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا... فإنه إن غفرتم للناس زلّاتهم، يغفرْ لكم أيضاً أبوكم السماوى».. وهذا التسامح ينبغى أن يستمر منهج حياة: «حينئذ تقدم إليه بطرس وقال: يا رب، كم مرة يُخطئ إلىَّ أخى وأنا أغفر له؟ هل إلى سبْع مرات؟». قال له يسوع: «لا أقول لك إلى سبْع مرات، بل إلى سبعين مرة سبْع مرات». وهذا ما تعلَّمه الآباء الرسل وعلَّموه: «وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً فى المسيح».. والتسامح الذى يعلِّمه السيد المسيح ينبع من قلب إنسان فاض قلبه بمحبة الله، وانعكست تلك المحبة على جميع من حوله، إنه عنوان القوة والاحتمال.

السلام

وفى الميلاد نتذكر رسالة «السيد المسيح» عن السلام، الذى يطوّب صانعيه: «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون»، إن الله هو واهب السلام وصانعه على الأرض، وكل من يسلك بالسلام يسير نحو الله والأبدية. وهكذا صار السلام رسالة على مر الزمان: «اتْبعوا السلام مع الجميع»، و«عيشوا بالسلام، وإله المحبة والسلام سيكون معكم».. وصُنع السلام هو صفة فى الإنسان الممتلئ قلبه بالمحبة نحو الكل، السائر فى حياة الصلاح والوداعة، الذى يفيض بالسلام الداخلىّ فيشع من حياته ليضىء حياة كل من يمر به فى رحلة عمره، فينتشر السلام إلى أرجاء الأرض كلها.

نهنئكم جميعاً بـ«عيد الميلاد» الذى يحمل إلينا رسالة دائمة من «المحبة» و«التسامح» و«السلام»، مصلين إلى الله أن يمنح العالم المحبة والتسامح ليحل السلام.

الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى


مواضيع متعلقة