د. أندريه زكي يكتب: رئيس السلام

كتب: نوران علام

د. أندريه زكي يكتب: رئيس السلام

د. أندريه زكي يكتب: رئيس السلام

السلام واحد من أكثر المعانى التى نتأمل فيها دائماً فى احتفالنا بعيد الميلاد المجيد. إذ كان جزءاً رئيسياً من تسابيح الملائكة التى تغنوا بها بعد ميلاد السيد المسيح، ووردت فى إنجيل لوقا 2: 14 «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»، كما تنبأ بها إشعياء النبى فى العهد القديم عن ميلاد السيد المسيح، قائلاً «لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام».

السلام أيضاً واحد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية التى يفتقدها كثيرون فى العالم فى أيامنا هذه. ومن المعانى اللغوية للسلام، الأمان والاطمئنان والنجاة، فالسلام فى جوهره ليس مجرد غياب للعنف والحرب، إذ يخرج عن المعنى السلبى «غياب الحرب» ليشمل السلام الإيجابى «أى إيجاد العدل والاطمئنان والسلامة»، فهو حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح التطور والازدهار للجميع.

علم الكتاب المقدس عن السلام كثيراً، مما يعنى تركيزاً كبيراً على مفهوم السلام، بوصفه الحالة الطبيعية الأولى للإنسان، فنجد السيد المسيح يطوب صانعى السلام فى عظته على الجبل، قائلاً «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون».

ومن المعانى المهمة التى يتضمنها السلام هو معنى المصالحة، وأساس المصالحة فى الكتاب المقدس هو إعادة بناء الجسور بين الإنسان وخالقه، هذه الجسور تأتى بالإنسان إلى علاقة جديدة مع الله والتى من أهم ملامحها المعرفة الجديدة والحياة الأبدية، لكن الكتاب المقدس يعلن بوضوح أن المصالحة مع الله تتطلب بعدين آخرين للمصالحة هما العلاقة مع الآخر والعلاقة مع الخليقة المحيطة. والنظرة الكتابية للمصالحة مع الآخر تمثل توجهاً رئيسياً فى الكتاب المقدس بعهديه. فالنبوات المختلفة، وكذلك الوصايا العشر، وكذلك مفاهيم المساواة وقبول الآخر، هى كلها فى مضمونها تسعى إلى بناء الجسور. ولعل النص الذى يتحدث عن محبة القريب كالنفس هى خير دليل على هذا الموقف الكتابى. إن مفهوم المصالحة فى الكتاب المقدس لا يقف عند حدود العلاقة بين الإنسان والله، والإنسان وأخيه الإنسان فقط، لكنه يمتد إلى الخليقة ككل. ولعل كلمات الرسول بولس «أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن» هو تأكيد لمفهوم عميق حول المصالحة بين الإنسان والخليقة أيضاً.

إن قيمة السلام مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلاقة الإنسان مع الله، فهى التى تمنحه سلاماً داخلياً ومصالحة مع النفس يستطيع من خلالها أن يعامل الجميع بمحبة ولطف، كما أن السلام انتصار على الشر وكراهية الآخر والتمييز والوصم، فهذه جميعاً جذور للعنف. السلام انتصار للمحبة والعدالة والحرية وهو ما يؤكده إشعياء النبى أيضاً، إذ يقول «ويكون صنع العدل سلاماً، وعمل العدل سكوناً وطمأنينة إلى الأبد». السلام هو قصد الله للبشرية «لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام». فى ترنيمة الملائكة «لوقا 2: 14»، ارتبط السلام بمجد الله فى الأعالى، نحن نمجد الله من خلال صنع السلام ومحبتنا لبعضنا البعض، وارتبط السلام أيضاً بسيادة السرور والفرح «وبالناس المسرة»، فالسلام الذى يحقق الأمان والعدل والاستقرار والازدهار يخلق حالة من الفرح، وهو ما أكد عليه سفر الأمثال 12: 20 «الغش فى قلب الذين يفكرون فى الشر، أما المشيرون بالسلام فلهم فرح». واليوم تواجه الإنسانية أزمة سلام، ويتعالى صوت الحرب والكراهية، وتمتد آثار الحرب لتؤثر على الاقتصاد والأمن وعلى كل شىء. تواجه الإنسانية أزمة إخلال الإنسان بمسئوليته عن الخليقة أمام الله، فيعانى الإنسان جرَّاء ذلك من الكوارث البيئية ونتائج التغير المناخى. فما أحوجنا إلى التذكير بأهمية الدعوة إلى السلام، وأهمية صنع السلام!

أصلى دائماً لأجل السلام لبلادى ولكل العالم، أن يتذكر الإنسان هويته، وأن يدرك مسئوليته تجاه أخيه الإنسان وتجاه الخليقة، والتى إن قام بها خير قيام، يتحقق السلام.

* رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر


مواضيع متعلقة