د. أسامة الأزهري يكتب: المبارك حيثُ وُجِدَ وحيثُ كان

كتب: نوران علام

د. أسامة الأزهري يكتب: المبارك حيثُ وُجِدَ وحيثُ كان

د. أسامة الأزهري يكتب: المبارك حيثُ وُجِدَ وحيثُ كان

وُلد نبى الله الكريم سيدنا عيسى عليه السلام، فوُلدت معه قيم وأنوار وأخلاق وآداب، واقترن كل مفصل من مفاصل حياته وعمره الكريم بكلمة السلام، حيث سجل لنا القرآن الكريم من كلامه عليه السلام قوله: (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً * وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً).

فاقترنت عنده النبوة بإيتاء الكتاب، أى العلم والمعرفة بالله وبكل علم نافع منير، يملأ به قلوب أمته والناس جميعاً من بعده بالإيمان والعمران ونفع الناس.

واقترنت عنده النبوة بأن جعله الله مباركاً فى كل مكان ينزله، فيسير الخير فى ركابه ورحابه حيث سار، ويفيض بالجود على كل موضع يذهب إليه. واقترنت النبوة عنده بأن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة، فيتعبد إلى الله قياماً بواجب العبودية المحضة، ويخرج زكاة ماله فيتعهد بها الفقير والمسكين، فينشر بين الناس الحرص على الناس، وبذل الخير إليهم، وقضاء حوائج الخلق، ودفع الجوع والشدائد عنهم. واقترنت النبوة عنده ببره بوالدته الصديقة البتول المطهرة سيدتنا مريم العذراء عليها السلام، فيعظم بذلك عند الناس معنى بر الوالدين، والتأدب العظيم معهما، وإكرام الأهل والأقارب، ونشر الكرم والرفق لكل دائرة قرابة الإنسان وجيرانه، فتوصل الأرحام، وتسمو صور التعامل بين الخلائق.

واقترنت النبوة عنده بالرفق واللين والهدى والرحمة، فلم يكن جباراً ولا ظلوماً ولا متسلطاً ولا متكبراً، بل ملأ قلوب الناس حناناً ومرحمة، وسكينة وحكمة. وهكذا استفاضت الأنوار والمكارم على يد سيدنا عيسى، عليه السلام، معرفة بالله، وإحساناً إلى الخلق، واستفاضة للبركة، وانتشاراً للهداية، وصلة للأرحام، وأماناً يحل على الخلق، ومسرة تشيع بينهم. ثم رجع القرآن يلخص لنا خلاصة مسيرة سيدنا عيسى، فى ثلاث كلمات اقترنت بمفاصل حياته الكبرى، فى يوم مولده، وفى يوم موته، وفى يوم بعثه، فألقى الله عليه السلام وجمَّله به فى كل يوم من تلك الأيام: (وَالسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)، فجعل الله تعالى شأنه كله سلاماً وأماناً، تنكسر به الشرور من النفوس، وتنطفئ به نيران الحروب، ويتوقف العدوان والدمار.

ولقد كنت أتوقف أمام هذه الأيام الثلاثة، وأجمعها معاً فى صعيد واحد، وأرى ملخص حياة سيدنا عيسى عليه السلام فى قوله: (وَالسَّلامُ عَلَىَّ)، ثم ارتباط هذا بأن كرر ثلاث مرات: (يوم ويوم ويوم)، يوم مولده، ويوم موته، ويوم بعثه حياً، وأربط هذا بقول الله تعالى فى حق سيدنا يحيى عليه السلام: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً) فأجد هذا المعنى بعينه، أن الملخص النهائى لحياته اجتمع فى قوله: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ)، ثم ارتباط هذا بأن كرر الله فيه ثلاث مرات: (يوم ويوم ويوم) يوم مولده، ويوم وموته، ويوم بعثه حياً. ثم أربط هذا بأن خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، كان يخصّص يوم مولده يوم الاثنين من كل أسبوع بالصيام فيه تعبّداً لرب العالمين على نعمة الإيجاد والإمداد، فلما سُئل عن ذلك، قال: (ذاك يوم ولدت فيه)، ثم يقول عليه الصلاة والسلام «أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا جنة ربكم بسلام».

فأرى من جمع ذلك كله أن سيدنا عيسى، وسيدنا يحيى، وسيد الخلق سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، قد اتفقت شرائعهم جميعاً على السلام، وإحياء الأنفس، وتزكيتها، وتطهيرها من الكراهية والأحقاد، ونشر المكارم، وإكرام الخلائق، وصلة الأرحام، وعمران الأرض، والصدق والأمانة والبر والصلة، ونشر العلم النافع، وجمع الخلق على الله، وابتغاء الدار الآخرة.

كانت هذه المعانى تجتمع أمام خاطرى، فيفيض قلبى ووجدانى إجلالاً وتعظيماً لموكب الأنبياء والمرسلين أجمعين، وتبجيلاً لهم جميعاً. وكنت أحدّث نفسى وأقول: أرجو أن أوفق فى مسيرة حياتى إلى التخلق بمكارم أنبياء الله والاقتداء بهم، وأن أسعى لأجعل حياتى من مولدى إلى مماتى إلى مبعثى يوم القيامة اقتداءً بهؤلاء الأنبياء العظام وتأدباً بأخلاقهم الطاهرة، وأن أقتدى بهم لأكون سلاماً موصولاً، وقياماً بواجب البر، ونشراً للعمران، وطهراً للسانى وباطنى من كل حقد، وأرجو أن أوفق فى تقريب مواريث النبوة هذه إلى كل إنسان، وأرجو فى بداية عام جديد أن أملأ زمانى وعمرى نوراً وتنويراً، وحياة وإحياءً، وكرماً وإكراماً.

سلام الله على سيدنا عيسى فى يوم مولده العظيم. وعلى سيدنا يحيى فى يوم مولده العظيم، وعلى سيدنا ومولانا محمد، صلى الله عليهم جميعاً وسلم، فى يوم مولده العظيم.


مواضيع متعلقة