إبراهيم عبد المجيد: تأثرت بنجيب محفوظ مبكرا.. وأحببت الرواية بسببه (حوار)

إبراهيم عبد المجيد: تأثرت بنجيب محفوظ مبكرا.. وأحببت الرواية بسببه (حوار)
- إبراهيم عبد المجيد
- نجيب محفوظ
- الروائي إبراهيم عبد المجيد
- معرض الكتاب
- إبراهيم عبد المجيد
- نجيب محفوظ
- الروائي إبراهيم عبد المجيد
- معرض الكتاب
قال الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، إن كتابة الثلاثية ليست قرارا من الكاتب في كل الأحوال، لكن موضوع وروح وشخصيات الرواية، هي التي تصنعها، مشيرا إلى ثلاثية الشهيرة عن مدينة الإسكندرية التي يعشقها، موضحا أن تأثر بأديب نوبل نجيب محفوظ في وقت مبكر جدا، إذ بدأ قراءته وهو في الثالثة عشر من عمره، وأحب بسببه فن الرواية، فذهب إليها أو أخذته.
وأضاف «عبد المجيد» في حوار لـ«الوطن»، أنه ممن يؤمنون بوحدة الفنون، وشعرية القصة والرواية تأتي من الإيجاز، والصورة للمكان والزمان والمشاعر، وتعدد لغات الشخصيات، وليس مجرد الحكي المباشر.
- لماذ ثلاثية عن الإسكندرية.. البعض يرى أنك ذهبت لكتابتها تحريضا من نجيب محفوظ ومن قبله لورانس داريل صاحب الرباعية الشهيرة؟
الثلاثيات موجودة في العالم من قبل نجيب محفوظ، ومن قبل رباعية لورانس داريل، الذي يجعل الرواية ثلاثية هو موضوعها، ومكانها وزمانها، بالنسبة لي، لم أكن في البداية أفكر أن أكتب ثلاثية، لكن بعد أن انتهيت من «لا أحد ينام في الاسكندرية»، أدركت أني أكتب عن فترة كانت فيها الإسكندرية مدينة العالم، أثناء الحرب العالمية الثانية، وسألت نفسي ماذا جرى للمدينة؟ فجاء الجزء الثاني «طيور العنبر»، عن خروج الجاليات الأجنبية أو إخراجهم بعد العدوان الثلاثي عام 1956.
والسياسة الاقتصادية بعد ذلك، التي مهدت للتأميم تحت عنوان «التمصير»، حيث صارت الدولة المصرية تشتري أكثر من خمسين بالمائة من أسهم الشركات في البورصة، ليكون لها الحق في التصرف، وهي سياسة بدأت عام 1957، وهذا يعني خروج الكثير من أصحاب الأعمال من الجاليات الأجنبية، وحين حدث التأميم عام 1961، كان من بقي قليلين، صارت المدينة مصرية لكن فقدت روحها العالمي.
ثم سألت نفسي، هل ظلت المدينة مصرية؟ وطبعا معروف أنها صارت وهابية سلفية بداية من زمن السادات فجاء الجزء الثالث «الإسكندرية في غيمة»، صارت ثلاثية عن المدينة في ثلاث نقط تحول كبرى في تاريخها، ومنذ عامين، نشرت ثلاثية جديدة هي «الهروب من الذاكرة»، أحداثها في القاهرة والصحراء الغربية، وطريق الهروب من مصر عبرها إلى إسبانيا مرورا بليبيا، وتونس والجزائر والمغرب.
لكنها ليست عن مدينة، الذي جعلها ثلاثية هو مصائر شخصياتها بعد خروجهم من السجون، من بقي في القاهرة ومن غادر البلاد، هي ثلاثية عن الزمن، وليس عن المكان، فالثلاثية ليست قرارا من الكاتب في كل الأحوال، لكنه موضوع وروح وشخصيات الرواية هي التي تصنعها.
- إلى أي مدى ترى تماثل في تجربتك الإبداعية وتجربة نجيب محفوظ.. وهل الصدفة وحدها التي لعبت دور في أن كلاكما يكون خريج دارس فلسفة وكلاكما كتب ثلاثية وكلاكما كتب قصة تحت عنوان واحد «تحت المظلة»؟
طبعا الصدفة هي التي جعلتني من مواليد برج القوس مثله، لكن دخولي قسم الفلسفة كان بتأثير من قراءاتي له، وقراءاتي عن تاريخ المذاهب الأدبية، أدركت من قراءاتي الأفق الفلسفي للروايات، فقررت أن التحق بقسم الفسلفة، لأعرف قضايا الوجود التي قرأت فيها كثيرا، لكن أن تدرسها وتتناقش فيها مع أساتذة في الكلية أمر جميل، تأثري بنجيب محفوظ مبكر جدا، فلقد بدأت قراءته وأنا في الثالثة عشر من عمري، وأحببت بسببه فن الرواية، فذهبت إليها أو أخذتني.
أما «تحت المظلة 2000»، وهو عنوان قصتي القصيرة، فلقد كانت حلما رأيته وقمت من النوم كتبته قبل أن أنساه، ولأنه كان غامضا وسيرياليا أشبه بالكابوس، أسميتها «تحت المظلة 2000»، في إشارة مني إلى قصة «تحت المظلة» لنجيب محفوظ، التي كنت قرأتها قبل هذا الحلم بثلاثين سنة، لكنها استيقظت معه وأنا اكتبه، هو الحلم الذي ذكرني بقصته العجيبة.
أنا قارئ للشعر أكثر من الرواية
من يطالع أعمالك الإبداعية يلحظ أن الشعرية تطغى عليها.. هل يرجع هذا لتسريب أشواقك للشعر عبر الرواية؟
أنا قارئ للشعر أكثر من الرواية، كذلك كنت يوما قارئا للمسرح أكثر من الرواية، ومشاهد للسينما أكثر من الرواية، وحياتي مع الموسيقى وسماعها أكثر من كل شيء، أنا ممن يؤمنون بوحدة الفنون، وشعرية القصة والرواية تأتي من الإيجاز والصورة للمكان والزمان والمشاعر، وتعدد لغات الشخصيات، وليس مجرد الحكي المباشر.
هذا فهمي للشعر في القصة، ومحاولتي أن يكون مرشدي في الكتابة، فبالليل مثلا على الشاطئ وحيدا، تتأمل أو تتذكر تأتي العبارات طويلة، بينما لو كنت تركب قطارا، تأتي الجمل قصيرة مع سرعة القطار، وفي الأحلام تتداخل الصور والأحداث، بينما في الحقيقة تختلف وهكذا، هذا فهمي للشعرية في الرواية، وليس كما يفهم البعض أنها محسنات لغوية.
- في مسيرتك لم تكتفِ فقط بالكتابة للرواية والقصة.. بل ذهبت إلى الكتابة الصحفية والنقدية.. هل يرجع ذلك لسد فجوة ما في ساحة النقد سواء فني أو أدبي؟
لا.. ليس لسد فجوة في النقد، النقاد موجودون دائما، على العكس أنا لا أحب أن أزاحمهم، لكن المسالة ببساطة أني في بداية حياتي الأدبية، وجدت أن القصص وحدها لا تأتيك كل يوم، ولا كل أسبوع ولا حتى كل شهر، فوجدت الكتابة عن الكتب التي اقرأها، أو حوارات كنت أقوم بها مع كتاب سبقوني في الحياة، مصدرا للدخل أسرع، أستطيع به الابتعاد عن العمل الوظيفي المنظم واتفرغ للكتابة.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، أنا من الجيل أو الأجيال التي ترى أن المبدع ليس منفصلا عما حوله في المجتمع، من أحداث وقضايا سياسية، لذلك كتبت تقريبا في كل شيء عن حياتنا المصرية.
- ماذا عن دور الترجمة في مشوارك الإبداعي؟
الترجمة فتحت لي أبواب السفر في العالم، وزيارة لما كنت أحلم به من بلاد، وأتاحت لي مقابلة شخصيات مهمة من المفكرين أو من القراء البعيدين.
ترجمت الروايات الإنجليزية المبسطة لنفسي في المرحلة الثانوية
- ثمة جملة للكاتب الراحل يحيى حقي يشير فيها إلى ضرورة تعلم الكتاب لغة ثانية ويتعجب من فقدان أغلب المصريين القراءة للأعمال بلغتها الأصلية.. كيف ترى ذلك؟
يحيى حقي ابن الفترة الليبرالية، التي كان الطالب ينتهي فيها من دراسته الابتدائية، فيكون قرأ الفلسفة بالإنجليزية، ويتعلم في المرحلة الثانوية -لم تكن هناك مرحلة إعدادية- لغة أخرى كالفرنسية وحوله الجاليات الأجنبية، يتعلم منها في الحياة أكثر من لغة، للأسف التعليم في مصر بعد 1952، جعل الانجليزية لغة ثانوية، مع أنها من قبل لم تفسد العربية مثلا.
هل أفسدت العقاد أو طه حسين أو من تشاء من أعلام ذلك الزمن؟ أنا أحببت اللغة الإنجليزية من أساتذتي في المرحلة الإعدادية.
ووجدت أنها باب لقراءة ما استطيع من الأدب العالمي، قبل أن أنتظر ترجمته، علمت نفسي الإنجليزية وكنت في المرحلة الثانوية اترجم لنفسي الروايات الإنجليزية المبسطة في كراسات صغيرة، ضاعت مع الزمن للأسف، فهي حافلة بالذكريات، وفتحت لي أبواب قراءة أجمل، لكن في النهاية الكتابة موهبة، يمكن أن يتقنها أي موهوب إذا كانت موهبته عظيمة، وإن ظل تعلم لغة أخرى مهما لكنه أمر اختياري، ليس عدم تعلمها سببا في ضعف الموهبة لكنه يثريها بالتأكيد.
- ماذا عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تمرير شغفك اليومي بكل ما تريد؟
بالنسبة لمن هم في عمري، ضاقت بهم الصحة والعمر عن الخروج إلى المقاهي، أصبحت وسائل التواصل هي المقهى، الذي أطل منه على العالم، كما أنها تجعلني أرى شبابا وكبارا يثيرون قضايا يمكن أن يجعلني العمر لا أنتبه إليها، كما أنها صارت وسيلة تواصل مهمة لا يمكن تجاهلها، خرجت منها برواية «في كل أسبوع يوم جمعة»، وأصبح تويتر وفيسبوك أحد وسائل الشخصيات في الحياة في الروايات الأخرى.
تقريبا لا تخلو رواية بعد «في كل أسبوع يوم جمعة»، من تراسل بالإيميلات أو التغريدات بين أشخاصها، هذا هو العصر، ووسائل التواصل إحدى تجيلياته، ولا يجب أن أغيب عنه.
- ترى أنها أضافت لمشوارك ولاسم إبراهيم عبد المجيد رغم أن هناك بعض الكتاب مقاطعين لها؟
بالنسبة لي، أضافت الكثير كما أسلفت، هي تضيع الوقت حقا، لكن مثلي لا عمل منظم له، رجل متقاعد يملك اليوم كله، فلماذا يبتعد عنها؟ حتى رغم الأكاذيب التي فيها، فهي ملمح رئيسي في حياتنا العصرية.
- وبالنسبة للصعوبات التي واجهها جيلكم في مراحل الحياة المختلفة؟
المصاعب كثيرة، أولها أن جيلي بدأ حياته شابا مع هزيمة 1967 فأحس بالضياع مبكرا، لكن الحياة لم تكن صعبة، لقد كان العمل والحصول عليه سهلا، وكان هناك من الكبار الكثيرون يسعدون بالكاتب الموهوب، مثل رجاء النقاش والدكتور عبد القادر القط والدكتور علي الراعي والدكتور شكري عياد والدكتور صلاح فضل وأسماء كثيرة أحبوا أعمالي فتشجعت، لكن الصعوبات كانت حولنا من أمة تتراجع عن تاريخها الحديث.
- كيف لعب «جيل الستينيات» دورا في رؤيتك لمستقبل الكاتب والمبدع المصري وقناعاته؟
أهمية جيل الستينيات بالنسبة لي، أنهم جعلوا التجديد في شكل الكتابة موجة عامة، صحيح سبقهم كتاب كثيرون، مثل يحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف الشاروني ويوسف إدريس وبدر الديب وإدوار الخراط ومحمد حافظ رجب وغيرهم، لكن جيل الستينيات كان حالة عامة، وليسوا واحدا يأتي بعد واحد، فصاروا ظاهرة، رغم أنها مسبوقة، وكنت أنا مغرما بالتجديد في الكتابة، فأدركت أني في الطريق الصحيح، لا أكثر ولا أقل.
- البعض يرى أن المشهد الثقافي المصري والعربي يعاني من حالة الكاتب النجم والشاعر النجم.. أهذا صحيح؟
على العكس.. انتهى عصر النجم الوحيد، ففي مصر وكل بلد عربي، أعدادا من الكتاب المجيدين، يتصدرون المشهد وليس كاتبا واحدا.
- كيف استقبلت وجود شارع يحمل اسمك بإحدى قرى محافظة الجيزة؟
ضحكت طبعا لأنه بالتاكيد يحمل اسم شخص من العائلات هناك وليس اسمي.
- لو رشح الأستاذ إبراهيم عبد المجيد كاتب عربي لنيل نوبل.. من يكون؟
كثيرون والله من مصر والعالم العربي يستحقونها.
- ماذا تمثل الجوائز بالنسبة لحضرتك؟
سعادة القراء بها أهم مافيها والحمد لله دائما ما أجد هذه السعادة، قيمة الجوائز الآن لا تصمد أمام التوحش في الأسعار في مصر، لكن قيمتها المعنوية رائعة، وربنا يكفي الفائزين شرّ المرض.