«الرقمنة والفرانكو والتعليم الأجنبي».. «عربية الضاد» تواجه لغة العصر

كتب: ماريان سعيد

«الرقمنة والفرانكو والتعليم الأجنبي».. «عربية الضاد» تواجه لغة العصر

«الرقمنة والفرانكو والتعليم الأجنبي».. «عربية الضاد» تواجه لغة العصر

فى عصر تشكل فيه الأرقام ما يسمى «لغة العصر»، تقف اللغة العربية فى مواجهة تحديات ضخمة، حيث تتزاحم اللغات الأجنبية على ألسنة أبنائها، ولأن اللغة قوة على لسان ناطقيها، وفقدانها يعنى ضياع هوية الأمة، فمع الاحتفال بمنجزات لغوية ثمينة لعام 2022 جدير بحُماتها مواجهة التحديات والوقوف على حلول لها.

رئيس المجلس الأعلى الجزائرى للغة العربية البروفيسور صالح بلعيد يرى أن تحديات اللغة العربية فى الوقت الحالى كثيرة جداً، إذ إنها تتحول من لغة وظيفية -أى لغة الحياة اليومية- إلى لغة معيارية -يتحدث بها المختصون وبعيدة عن العامة- وليس المقصود باللغة العربية هنا اللهجات، وإنما المقصود اللغة السهلة على ألسنة العرب، الغائبة عن ميادين الحياة اليومية والعلمية والصناعية وبالتالى يجب أن تكون جهودنا للعودة بالعربية لغة وظيفية.

«بلعيد»: نحتاج لتطبيقات إلكترونية عربية ووقف الاعتماد على الترجمات الحرفية للتطبيقات الأجنبية

وشرح «بلعيد»، لـ«الوطن»، أن التحدى الأكبر يكمن فى الذكاء الاصطناعى، إذ إن اللغة بحاجة إلى أن تنتشر بالفضاء الإلكترونى من خلال أدوات أبرزها التطبيقات الرقمية وأن تكون مع المواطنين العرب فى هواتفهم وأجهزتهم الخاصة، وهو دور رجال المعلومات والمختصين فى الرقمنة لإنتاج تطبيقات تسهّل التواصل بالعربية دون الاعتماد على الترجمات الحرفية للتطبيقات الأجنبية. وحذر رئيس المجلس الأعلى الجزائرى للغة العربية من الخرائط اللغوية القادمة التى لا تسمح للغات القديمة غير المطورة علمياً بالحياة.

«الحاج»: تزايد التعليم بمدارس أجنبية يشكل حاجزاً نفسياً

الدكتور بكرى محمد الحاج، رئيس مجمع اللغة العربية بالسودان، قال إن مزاحمة اللغات الأجنبية للغة العربية فى عقر دارها من أكبر المشكلات، ما انعكس على وجه الخصوص فى مجال التعليم، والإقبال على تعليم الجيل الجديد فى المدارس الأجنبية بلغات غير العربية، وهو ما يكون حاجزاً نفسياً بمرور السنوات تجاه العربية، مؤكداً أنه لا توجد دولة تحترم نفسها يتلقى أبناؤها التعليم بلغة غير لغاتها، رغم الجهود المتعاظمة بمصر وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية لتعريب العلوم.

مشكلة أخرى تواجه العربية بحسب «الحاج»، وهى الازدواجية اللغوية فى العالم العربى واستخدام لغتين هما العامية الدارجة والفصحى، فأصبحت اللغة تختلف من قطر لقطر وأحياناً يكون الاختلاف داخل الدولة الواحدة، أيضاً عدم الالتزام باستخدامها فى وسائل الإعلام فى الأجهزة المختلفة المسموعة والمرئية واللافتات بالشوارع.

الدكتور محمد العبد، عضو مجمع اللغة العربية وأستاذ العلوم اللغوية بكلية الألسن جامعة عين شمس، قال إن المشكلة الأساسية تكمن فى طريقة تدريس اللغة العربية فى المدارس، فمعلم العربية لا يتحدث بها فى الفصل، وبالتالى لا يسمع الطالب عربية فصيحة طوال يومه الدراسى، فضلاً عن قلة اللغة العربية السهلة والبسيطة والفصيحة فى الإعلام والإعلان.

وأشار «العبد» إلى أن مثل هذه المشكلات تولّد ضعفاً بالأداء اللغوى، فنجد كثيراً من العرب غير قادرين على الحديث بالعربية شفهياً حتى وإن استطاعوا كتابتها تحريرياً، متسائلاً: لماذا لا يخضع الطلاب لاختبارات شفهية بجانب التحريرية فيما يخص تعلم اللغة العربية، مشيراً إلى أهمية الاستفادة مما يقدمه عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعى من آليات معرفية لنشر اللغة العربية بدلاً من أن يكون واحداً من تحدياتها ومشكلاتها.

الأستاذ الدكتور حافظ شمس الدين عبدالوهاب عثمان، أستاذ المعادن والصخور بقسم الجيولوجيا كلية العلوم جامعة عين شمس، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، قال إن اللغة العربية فى عصر العولمة تعرضت لمشكلات كثيرة، خصوصاً فى مجالات التعليم واللجوء للغات الأجنبية للتعلم بها، ما يُعد كارثة كبرى على اللغة العربية والناطقين بها. وأشار إلى أن العيب فينا وليس فى اللغة، إذ إن اللغة تستوعب العلوم جميعاً ولا توجد مشكلات فى تعريب العلوم، ففى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، على سبيل المثال، لجان علمية متخصصة فى العلوم التطبيقية، وبالفعل أصدرت معاجم متخصصة فى جميع المصطلحات من الطب والهندسة والصيدلة حتى علوم البيئة.

ويقول الدكتور أحمد درويش، أستاذ البلاغة والنقد الأدبى المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: هناك تحديات كثيرة تقابل اللغة العربية، تبدأ بعدم التعامل الحى باللغة العربية فى الحياة اليومية، فبعض المؤسسات العربية تخاطب روادها بغير العربية كالبنوك والمطارات وصولاً للتعامل الرسمى فى المؤتمرات والحديث الوطنى خارج الدول العربية. أما المشكلة الأخطر، بحسب «درويش»، فهى زحف الكتابة بحروف غير عربية -فى إشارة للفرانكو- إذ إنها بدعة وسوس ينخر فى جدار اللغة وتنذر بكارثة لغوية ظهرت جلية لدى الأجيال الجديدة.


مواضيع متعلقة