حمدي الحسيني يكتب: ماذا يحدث في دارفور؟

حمدي الحسيني يكتب: ماذا يحدث في دارفور؟
كنت محظوظا، لأني عشت شهرين كاملين متنقلاً بين أقاليم دارفور الثلاثة في غرب السودان، عام 2004 عقب اندلاع أعمال العنف والتمرد بين أبناء الإقليم والحكومة المركزية في الخرطوم.
شهور معدودة تفصل بين حوادث العنف والاقتتال القبلي المتكرر في إقليم دارفور آخرها ذلك الحادث الذي وقع قبل أيام، الذي راح ضحيته 12 من أبناء منطقة بليل بالقرب من مدينة نيالا، العاصمة الاقتصادية الأولى للإقليم.
كانت الشرارة الأولى التي أشعلت غضب الدارفوريين في عام 2003، عندما تقاعس الرئيس السوداني السابق عمر البشير، عن رصف طريق يربط بين مدن الإقليم والعاصمة الخرطوم، ثم سرعان ما تحول الغضب الشعبي إلى صراع مسلح بعد لجوء البشير إلى علاج الأزمة بطريقة خاطئة.
بصرف النظر عن حقيقة ما يتردد حول غنى الإقليم البعيد الزاخر بالثروات المعدنية، من ذهب وحديد ومنجنيز وأيضاً يورانيوم، إلا أن سكان الإقليم يعيشون حياة بدائية صعبة للغاية في ظل غياب التنمية وندرة الموارد والخدمات.
للوصول إلى أي مدينة من مدن الإقليم الأساسية الثلاث (الفاشر- نيالا- الجنينة) ليس أمامك سوى الطائرة، لأن الطرق البرية غير ممهدة، والسكك الحديدية ضعيفة ومعرضة للنهب بسبب طول ووعورة الطريق الذي يستغرق عدة أيام، فالطائرة هي الحل، لكن رحلاتها غير منتظمة وعشوائية.. وأنت وحظك.
لو كنت محظوظاً ولحقت بطائرة متجهة إلى الإقليم، سوف تفاجأ بأنها من نوع أنتينوف الروسية المنقرضة، هي ليست كالطائرات المتعارف عليها، بل ربما تكون أقرب إلى الطائرات الحربية.
الرحلة استغرقت حوالي 90 دقيقة بعدها هبطنا بسلام في مطار نيالا، وهي العاصمة الاقتصادية للإقليم، وتقع في المنتصف بين الفاشر شمالاً والجنينة غرباً.
في نيالا أكبر سوق لتجارة المواشي والجمال في السودان، والحياة بسيطة وبدائية والناس طيبون ينامون مبكراً، بسبب عدم توافر الكهرباء بانتظام ويستيقظون مع الخيط الأول للصباح.. كفاح مستمر من أجل البقاء.
نيالا مدينة كبيرة فيها كل ما هو موجود في المدن من سينما وجامعة وأجهزة الدولة المختلفة، لكن وجودها ضعيف، لأنها تعتبر منفى للموظفين القادمين إليها من العاصمة البعيدة.
تسببت الاضطرابات والمواجهات بين الدولة والمتمردين فى أكبر عملية نزوح عرفتها السودان، وبدأت المنظمات الدولية والإنسانية العربية والعالمية تقيم المعسكرات حول المدينة التي تضم معسكر (كلمة) الذي يضم نحو مائة ألف من أبناء القرى التي تم حرقها وقتل الكثير من أبنائها.
اللافت أن الظروف الصعبة التي يعيشها الإقليم لم تقف حائلاً أمام شباب دارفور لتحصيل العلم وترقي أعلى الدرجات، فحجزوا منصب رئيس اتحادات الطلاب في جامعة الخرطوم على مدى عقود طويلة، وكان من أبرزهم زعيم حركة العدل والمساواة الراحل خليل إبراهيم، وكذلك ينتمي إلى نيالا أيضاً، الدكتور علي الحاج، أحد أبرز قيادات المؤتمر الشعبي السوداني السابق.
في قلب أزمة الإقليم الطاحنة، كانت مصر متواجدة وسط سكان معسكر اللاجئين، في شكل مستشفى ميداني يضم عشرات الأطباء في مختلف التخصصات، يقومون بالكشف الدوري على اللاجئين وصرف الأدوية اللازمة لهم بلا مقابل، خاصة أن هؤلاء اللاجئين فقدوا ممتلكاتهم وأموالهم وكذلك عوائلهم.
أتصور أن ظروف الإقليم لن تتغير ولن تنتهي الصراعات القبلية سوى بتنمية حقيقية ودعم عربي ودولي لتطوير وتغيير وجه الحياة في مدن الإقليم، حينها يمكن أن تختفي الصراعات بين الرعاة العرب الرحل والمزارعين من القبائل ذات الأصول الأفريقية وهم أصحاب الأرض الأصليون.