مستشفى 57357.. «ومن أحياها»

في سنة 2001 أتذكر جيدا وأنا في الصف الأول الثانوي، حين دخل علينا أحد المدرسين ليخبرنا عن مستشفى علاج سرطان الأطفال، التي تُجرى الأعمال الإنشائية به، ومعه شخصا -عرفت فيما بعد أنّه كان أحد مندوبي الحملة التي قامت بها جمعية أصدقاء معهد الأورام لجمع التبرعات للتمكن من تغطية باقي تكاليف إنشاء المستشفى-، طالبا دعمنا بأي مبلغ حتى وإن كان جنيها واحدا، حمّلنا الحديث مسؤولية كبرى ونحن الذين لم نكن نعرف وقتها المعنى الشامل لتلك المسؤولية.

لم نكذّب خبرا، وسارعنا جميعا بالتبرع؛ كلٌ بما كان في مقدوره وقتها اقتطاعا من مصروفه اليومي، لم يكن رد فعلنا وقتها حكرا علينا فقط، لكنه كان حال باقي فصول المدرسة، بل وغالبية المدارس في مختلف أنحاء الجمهورية، استشعارا من طلبة في مقتبل العمر بمسؤولية حُمّلوها وكانوا بحق على قدرها.

وقررت جمعية «أصدقاء معهد الأورام» وقتها تنظيم حملة كبرى لجمع التبرعات وتغطية تكاليف المشروع، حيث وظّفت عددا من الخبراء لوضع خطة جمع التبرعات اللازمة لإتمام المشروع، وركزت على الحملات الميدانية والإعلامية والزكاة والتبرع المباشر من الأفراد والشركات والهبات والدعم المحلي والخارجي.

على مدار نحو 15 عاما، -هي عمر المستشفى الذي فتح أبوابه عام 2007-، قدّم المستشفى العلاج لأطفال من مختلف الأنحاء وساهم في إنقاذ آلاف الحيوات البريئة التي ضربها المرض الخبيث، وكان ذلك بفضل التبرعات المرسلة للمستشفى، الذي اتخذ من أول حساب تبرع اسما له «57357» عرفانا بدور المتبرعين في إطلاق هذا الصرح العظيم وتأكيدا لمساهماتهم التي منحت مستقبلا جديدا للأطفال المتعافين.

اليوم وبعد كل هذه السنوات وتلك الإنجازات التي ذخر بها الصرح الطبي الكبير، أصبح المستشفى يعاني من شُح التبرعات التي كانت العماد الرئيسي لاستمرار المستشفى ومنح قبلة الحياة لأطفال في عمر الزهور أنهك جسدهم الضئيل مرضا كاد يغتال براءتهم وأحلامهم، لولا فضل الله، ثم مساهمات المتبرعين.

فمنذ فترة يواجه المستشفى نقصا حادا في مصدر تمويله الرئيسي -التبرعات-، وقد صرح أحد مسؤولي المستشفى مؤخرا بأنّ النقص الشديد في التبرعات، سيضطر المستشفى إلى عدم التمكن من استقبال حالات جديدة في فترة الـ6 أشهر المقبلة، فضلا عن عدم تمكن المستشفى من توفير الأدوية والمعدات اللازمة لاستكمال الحالات الحالية مراحل علاجها.

لا شك أنّ الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم، وتأثر قطاع كبير من المصريين بها، كانت سببا رئيسيا في نقص التبرعات، ولكن الأمر أصبح يتعلق الآن كما يقال بـ«مسألة حياة أو موت»، وهو ما يجعلنا نشحذ الهمم ونسترجع ذكريات تأسيس المستشفى وتحمّل المزيد من المسؤولية، حتى لا يتوقف المستشفى عن تقديم خدماته الطبية الضرورية لآلاف الأطفال المرضى.

دعونا نطلق، حملة كبرى لزيادة ضخ التبرعات، حتى لا تنقطع بسمة الأطفال الذين ساهم المستشفى في رسمها على شفاههم وكي نرسم المزيد من البسمات على وجوه أطفال متعافين آخرين، فهؤلاء جميعا أمانة في أعناقنا، ونحن كنا وسنزال على قدر المسؤولية، انطلاقا من قول الله تعالى في سورة المائدة: «ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا».