الحياة تنبض من جديد في شوارع سيناء

كتب: محمد مجدى

الحياة تنبض من جديد في شوارع سيناء

الحياة تنبض من جديد في شوارع سيناء

للمرة الثالثة فى عام 2022 خطت قدماى أرض سيناء الطاهرة، فى جولة استمرت ليومين، من شرقها لغربها، وهى الجولة التى بددت مخاوفى فى 48 ساعة فقط. بعد عبور قناة السويس لشبه جزيرة سيناء من «كوبرى السلام»، اقتربت من مدينة القنطرة شرق، وكانت حركة أهاليها الطبيعية فى الشوارع، والتحركات التنموية فى نطاق المدينة سرعان ما بددت تلك المخاوف، فالحياة تبدو طبيعية، والأطفال يلعبون بالشوارع.

سرت فى طريقى لشمال سيناء، لكن قبيل التوجه لبئر العبد فى طريقى لـ«العريش»، حرصت على زيارة «المدرسة الصناعية» فى القنطرة شرق، والتى أصبح اسمها مدرسة الشهيد البطل المقدم محمد عبدالإله الثانوية الصناعية العسكرية المشتركة بالقنطرة شرق، والتى عملت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على تجديدها ورفع كفاءتها، بعدما شهدت دحر آخر عناصر التنظيمات الإرهابية المختبئة فى صحارى سيناء منذ فترة.

كنت قد دخلت المدرسة عقب انتهاء اليوم الدراسى، فلم أجد بداخلها طلاباً، لكن فصولها ومعاملها تروى نشاطاً لطلاب موهوبين، سيشكلون ذخيرة لعملية تنموية وخدمية كبرى كلاً فى تخصصه، سواء لأهالى محافظة الإسماعيلية، الواقعة بداخلها مدينة القنطرة شرق، شرق قناة السويس، أو محافظة شمال سيناء القريبة منها.

البديل لتفقد الحالة الأمنية فى المنطقة كان الاقتراب من جامعة سيناء، فرع القنطرة شرق، المواجهة لـ«مدرسة الصنايع» التى نالها على مواقع التواصل الاجتماعى هى الأخرى حديث بأنها «غير آمنة»، لكنى وجدت بداخلها الطلبة يتحركون بحرية، دون أدنى خوف أو محاذير أمنية، مع تنظيم أنشطة وفعاليات مع شركتى أدوية على سبيل المثال فى كلية الصيدلة بالجامعة.

نائب رئيس جامعة سيناء: سننظم فعاليات مشتركة بين فرعى «العريش» و«القنطرة شرق»

الدكتورة جيهان فكرى محمد، نائب رئيس جامعة سيناء لشئون التعليم والطلاب، تحدثت، على هامش جولتنا، مؤكدة أن الطلاب يعيشون حياة طبيعية تماماً داخل «الجامعة»، ويتحركون فى محيطها بأمن وأمان، وحتى خلال فترة النشاط الإرهابى فى شمال سيناء لم يتعرض أى أحد منهم لأذى، مؤكدة أن منطقة «القنطرة شرق» آمنة تماماً، على نقيض ما قد يروج له البعض، وأنها لم تتعرض إلا لبعض الخارجين عن القانون، وتصدى لهم رجال قواتنا المسلحة الباسلة، ولا يوجد فيها ما يعكر صفو حياة أهاليها، أو الطلاب، على نقيض ما يتردد.

وتقول نائب رئيس جامعة سيناء لشئون التعليم والطلاب، لـ«الوطن»، إن عدداً من طلاب فرع «القنطرة شرق» طلبوا زيارة فرع الجامعة فى مدينة «العريش»، وإن الجامعة تدرس بالفعل تنظيم عدد من الفعاليات بالتعاون بين الفرعين، بعد عودة الأمن والأمان والاستقرار الكامل فى شبه جزيرة سيناء، مؤكدة عدم وجود أى مخاوف لديهم من هذا النشاط.

وتؤكد الدكتورة جيهان فكرى أن طلاب الجامعة من القاطنين غرب قناة السويس يعبرون أنفاق «تحيا مصر» بأمن وسلام من غرب القناة لشرقها، دون أى متاعب تُذكر.

بعد الاطمئنان على «القنطرة شرق»، من خلال جولتنا الميدانية، قررت الانطلاق صوب مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، وتلك المرة سمعت من «الدكتورة جيهان» أن الطريق الدولى الساحلى قد تم فتحه، ولدى زيارتى لشمال سيناء فى آخر 5 سنوات، كان الطريق مغلقاً، وممنوع السير فيه، تارة لتهديدات أمنية، وأخرى كإجراء احترازى، لكن تلك المرة ولدى التوجه لـ«الطريق الساحلى»، وجدت السير فيه مسموحاً بالفعل، بل وهناك نشاط وحركة عليه.

فتح «الطريق الساحلى» لأول مرة منذ سنوات يختصر ساعتين من الطريق لـ«العريش»

الحقيقة أن السير عبر «الطريق الساحلى» وفَّر فى وقت التوجه لمدينة العريش أكثر من ساعتين كاملتين، بعدما كنت أحتاج للتوجه لوسط سيناء، قبل العودة لـ«الشمال» مرة أخرى، كطريق أكثر أماناً فى ذلك الحين، قبل أن يعود الاستقرار لـ«أرض الفيروز».

ومع المرور فى «الطريق الساحلى»، تجد الحياة نابضة على جانبى الطريق، ولدى الدخول لنطاق مدينة العريش ترى الكثير من الشوارع، إما فى مرحلة «تركيب مواسير» فيها، أو فى مرحلة التسوية والرصف، ومنازل أخرى تجدها قيد التجديدات، وأخرى أصبحت جديدة وعلى أحدث طراز.

اللافت للنظر هو أننى لم أجد كميناً أمنياً واحداً لرجال القوات المسلحة داخل المدينة، بعدما شاهدت أكمنة عدة فى نطاق المدينة خلال شهرى أبريل ومايو الماضيين لدى زيارتى لـ«أرض الأبطال»، كما أن التحصينات الأمنية لرجال الجيش الثانى الميدانى الإضافية لنطاق المدينة تم رفعها، وتسلم رجال وزارة الداخلية مهام الأمن والأمان بشكل كامل فى نطاق المدينة وكامل مدن شمال سيناء.

مدير «التعمير»: لا صوت يعلو فوق التنمية بعد «دحر الإرهاب»

المهندس ناجى إبراهيم، مدير عام منطقة تعمير شمال وجنوب سيناء، يقول إن القيادة السياسية كانت ترى ضرورة أن يسير ملف «التعمير» إلى جوار التحركات الأمنية لاستعادة الأمن والأمان بشمال سيناء، لكن منذ دحر الإرهاب لم يعد صوت يعلو فوق صوت العملية التنموية بأبعادها المتعددة.

ويوضح المهندس ناجى إبراهيم، فى حديثه لـ«الوطن»، على هامش تفقدنا مشروعاً ينفذه «جهاز التعمير» فى حى المساعيد بقلب مدينة العريش، أن توفير الخدمات بأعلى جودة، وتوفير حياة كريمة لأهالى العريش، هو بمثابة تأمين ودعم للأمن القومى، حسبما ترى القيادة السياسية للبلاد، ومن ثم انطلقوا فى هذا الملف بأسرع ما يكون، مشيراً إلى أن العمل يتم فى جميع المجالات، من عمليات بنية تحتية، وطرق، وإسكان، وكهرباء، وغيرها.

ويلفت إلى تنفيذ عدد من وحدات الإسكان الاجتماعى فى نطاق شمال ووسط وجنوب سيناء، مع تنفيذ مشروع لإحلال وتجديد مساكن تعاونيات فى حى المساعيد، بإجمالى 105 عمارات سكنية تضم 2024 وحدة سكنية، تم إنجاز 95 عمارة منها، وجارٍ تنفيذ 10 عمارات بإجمالى تكلفة قدرها 408 ملايين جنيه.

ويشير «إبراهيم» إلى أن شمال سيناء تستقطب الكثير من العاملين بمحافظات الوادى، والإسماعيلية، وكفر الشيخ، ودمياط، وغيرها من المحافظات، وتزايدت تلك الأعداد بكثرة، بعد عودة الأمن والأمان فى «أرض الفيروز».

«المواسير» و«الرصف» وتطوير «شاليهات الشواطئ» المشهد الأبرز بالمدينة..ومسئول أكبر محطة تحلية بالشرق الأوسط: حل «أزمة المياه»

وبالسؤال عن «المواسير» الكثيفة الموجودة بشوارع العريش، ذكر المهندسون القائمون على المشروع أنها أعمال بنية تحتية ضخمة، مع تنفيذ أكبر محطة تحلية مياه فى الشرق الأوسط، وتحديداً فى الكيلو 17 من الطريق الدولى الساحلى من تجاه مدينة العريش، والتى تفقدناها، والتقينا داخلها المهندس فهيم تادروس، مدير المشروع.

يقول «تادروس»، لـ«الوطن»، إن الطاقة الاستيعابية للمحطة تبلغ حالياً 100 ألف متر مكعب يومياً، قابلة للتوسع حتى 300 ألف متر مكعب، وهى طاقة مياه تكفى لكل السكان من العريش غرباً حتى خط الحدود الدولية شرقاً، مع توفير المياه مستقبلاً لوسط سيناء أيضاً لأعمال الشرب، بالإضافة إلى المياه الواردة من محطة مياه مصرف بحر البقر إلى الوسط لاستصلاح الأراضى.

ويلفت «تادروس» إلى أن الدولة تعمل على إحلال وتجديد شبكات الصرف الصحى والمياه فى مدينة العريش نظراً لتهالكها، بعد اكتمال مشروعات محطات المياه والصرف الصحى، حيث كانت هناك مشكلة شديدة فى المياه بالمحافظة، وكانت تتوافر لمدة يومين أو ثلاثة فى الأسبوع فقط، والآن توجد بشكل طبيعى، مع انتظام الخدمة بشكل أفضل فى الفترة المقبلة عقب اكتمال المشروعات، مضيفاً: «لكن موضوع انقطاع المياه فى العريش انتهى بالكامل».

انطلاق قطار تأسيس «البنية التحتية» على أعلى مستوى

البنية التحتية لا تعمل الدولة عليها فقط فى القطاع الخدمى، كما أظهرت جولة «الوطن» الميدانية فى شوارع العريش، ولكن فى مجال البنية التحتية أيضاً عبر مشروعات عدة فى المحافظة، ومن بينها مشروع تطوير ميناء العريش البحرى، ويقول محمد شريف كامل، مدير ميناء العريش البحرى، إنه يجرى تطوير الميناء، لزيادة عمقه من 7 أمتار حتى 12 متراً، وهو العمق الذى سيتم الوصول إليه خلال شهرين فقط، لاستيعاب أحجام أكبر من سفن البضائع.

مدير «الميناء»: عودة الصيد بالكامل بعد رفع «القيود الأمنية»

ويوضح مدير ميناء العريش البحرى، فى حديث لـ«الوطن»، على هامش جولة تفقدية للميناء، أن السلطات سمحت بعودة الصيد مرة أخرى بعد عودة الأمن والأمان، بعدما كانت هناك قيود على الصيد فى وقت سابق، مشيراً إلى استهداف إدارة الميناء انتهاء عملية التطوير والتحديث نهاية عام 2023، ليستوعب الميناء 5 سفن مرة واحدة، بعدما كان هذا الأمر ضرباً من الخيال فى وقت سابق، وهو ما سيسهم فى تنمية العريش وشمال سيناء بشكل كبير فى الفترة القادمة.

مع اكتمال جولتنا، كان الليل قد حل، ولم نتوقف عن رصد «الحياة» فى «العريش»، لكننا انتقلنا لـ«شارع البحر»، كما يسميه الأهالى، أو شارع المشير فؤاد ذكرى، قائد القوات البحرية فى حرب أكتوبر المجيدة، كما يُطلق عليه رسمياً، لنجد الشوارع مكتظة بـ«الكافيهات»، وفيها الأهالى يشاهدون مباريات كأس العالم بكثافة.

ومع التجول أيضاً فى شوارع العريش، وجدنا أماكن لـ«صالات جيم»، وملاعب كرة، وأماكن للجلوس أمام شواطئ البحر المتوسط بالعريش، وبها تُنظَّم عروض بدوية مستوحاة من التراث السيناوى.

«آمنة خليل»، من أبناء محافظة العريش، كانت موجودة مع أسرتها على ساحل البحر للاستمتاع بالعرض الفنى، وتقول إنهم عادوا للحياة، وللاستمتاع بها بعد مخاوف استمرت لسنوات، مؤكدة أنهم آمنون، ويتمتعون بالمعيشة وتطورها يوماً بعد يوم فى نطاق المحافظة.

 


مواضيع متعلقة