«إعادة التدوير».. الكنز في «صندوق المخلفات»

«إعادة التدوير».. الكنز في «صندوق المخلفات»
90 مليون طن من المخلفات المتنوعة تنتجها مصر سنوياً، ما بين مخلفات صلبة، عضوية وغير عضوية، من مخلفات المنازل والزراعة والهدم والبناء وغيرها، تنتظر تحقيق الاستفادة المُثلى منها عبر إعادة تدويرها، فى ظل تقديرات عن أنه يتم الاستفادة بنحو 20 مليون طن فقط من هذه المخلفات.
هذه الأطنان من المخلفات، والتى تمثل مشكلة كبرى بيئية وصحية وجمالية، يمكن تحويلها من نقمة إلى نعمة كبيرة اقتصادياً وبيئياً وصحياً من خلال «إعادة التدوير»، الذى يؤكد الخبراء أنه يحافظ على الموارد للأجيال القادمة، ويقلل تكاليف الإنتاج والطاقة المستخدَمة، فضلاً عن إنتاج قيمة مضافة ومنتجات نفتقر إليها الآن بشدة.
ففى الزراعة، مثلاً، يؤكد الخبراء أنه يمكن تحويل 45 مليون طن من المخلفات الناتجة عنها إلى ثروة من الأعلاف العضوية والأسمدة والطاقة التى نفتقر إليها بشدة، بدلاً من إهدارها عبر حرقها أو إهمالها وزيادة مخاطرها وأضرارها.
حتى المياه التى وصلنا إلى حد الفقر منها، يؤكد الخبراء كذلك أنه يمكن تعظيم الاستفادة من مخلفاتها وإعادة تدويرها مراراً بشكل آمن، من مياه المصارف الزراعية والصرف الصناعى، وصولاً إلى مياه التكييف، وتوظيفها لصالح استدامة المشروعات التنموية والتوسّع بها.
ومن المخلفات الزراعية والسائلة، إلى مخلفات الهدم والبناء التى يؤكد الخبراء أنه يمكن استخدامها فى رصف الطرق وبلاط الأرصفة، بما يُحد من الاستيراد ويوفر نحو 30% من التكلفة.
ولا تتوقف الأمثلة عند حد، فى ظل الاجتهادات المتواصلة للباحثين المصريين فى جميع المجالات، التى تنتظر تطبيقها.
مناجم للمواد الخام فى مختلف المجالات وثروات تنتظر من يكتشفها
ملايين الأطنان من المخلفات، بأنواعها المختلفة، سواء كانت صلبة، عضوية أو غير عضوية، أو مخلفات سائلة، أو نواتج هدم وبناء، وغيرها، إما أن تصبح مشكلة كبرى بيئية وصحية واقتصادية وجمالية، أو إعادة تدويرها والاستفادة بها وتحويلها من نقمة إلى نعمة اقتصادياً وبيئياً وصحياً.
خبراء بيئة: إعادة الاستخدام تقلل الانبعاثات الكربونية والآثار البيئية الضارة للمخلفات
ويوضح خبراء البيئة أن من شأن التوسع فى «إعادة التدوير» تقليل حجم المخلفات ومساحة المدافن اللازمة للتخلص منها، فضلاً عن تلافى الآثار الضارة للمخلفات، مثل تقليل مشاكل الروائح الكريهة ونواقل الأمراض كالذباب والحشرات والقوارض وغيرها والأمراض، هذا فضلاً عن انبعاثات الغازات الضارة بالصحة والمسببة للتغيرات المناخية، وفى مقدمتها ثانى أكسيد الكربون والميثان وأكاسيد النيتروز.
وحسب الخبراء، فإن المزايا الاقتصادية لإعادة التدوير تتمثل فى تقليل تكاليف الإنتاج عن طريق استبدال المدخلات بالمخلفات القابلة للاستخدام، ما يؤدى لتقليل الاعتماد الخارجى على المدخلات أو الموارد الطبيعية وتحقيق ربح أكبر، كما أن إعادة التدوير توفر كميات هائلة من الطاقة التى نحتاجها لإنتاج مواد جديدة، هذا فضلاً عن خلق فرص عمل، عبر السماح بإدراج وتسجيل العاملين فى إعادة تدوير المخلفات، مما يولد دخلاً اقتصادياً للعديد من العائلات، وبالتالى يقلل معدل البطالة.
أستاذ عمارة: التدوير يجب أن يتم وفق أسس علمية لتفادى الإشعاعات الخطرة
ويؤكد د. عادل ياسين، أستاذ العمارة بجامعة عين شمس، والعميد الأسبق لكلية البحوث البيئية بجامعة عين شمس، وعضو المجمع العلمى المصرى، أن موضوع إعادة التدوير recycling يمتد ليشمل كل المجالات ويضرب مثالاً على ذلك، بما يحدث فى الزراعة عند «التقليم»، الذى يعتبر عملية زراعية لا بد منها، وبدلاً من أن تتحول نواتج التقليم إلى مشكلة وتؤدى لحرائق أو تصبح مأوى للحشرات، مثلاً، فإنه يمكن الاستفادة بها، وهو ما يبدو مثلاً فى جريد النخيل الذى بدلاً من اعتباره مخلفات وفضلات، فإنه وكما يحدث فى أنحاء مختلفة من العالم يتم عمل أقفاص منه، وتحويل ورقه الرفيع إلى أوعية، أو أشغال يدوية وخواتم وأعمال فنية كما فى أعياد المسيحيين لدينا.
ويستعيد الدكتور عادل ياسين، محاولة سابقة لأستاذ العمارة الراحل الدكتور عبدالباقى إبراهيم بالتعاون مع مركز بحوث الإسكان والبناء، للتغلب على مشكلة الحوائط التى يتم هدمها، وما تمثله من مشكلة نظراً لتكوينها من الطوب ولحامها بالأسمنت، ولذلك تم عمل نوع جديد من الطوب يتم تعشيقه فى بعضه بدون أسمنت، وهى طوبة من الممكن فكها وإعادة استخدامها مرة أخرى.
ويلفت الدكتور عادل ياسين إلى أنه فى عمليات إعادة التدوير لا بد من اتخاذ احتياطات معينة، لأن هناك مواد يخرج منها إشعاعات أو انبعاثات، كما هو معروف عن الزلط مثلاً الذى يمكن أن ينبعث منه غاز الرادون، وهو غاز سام وقاتل، وإذا تم أخذه من الخرسانات وإعادة تدويره فلابد من اتباع احتياطات معينة، ونفس الشىء بالنسبة للسيراميك والكسر المتخلف عنه الذى يعتبر سيئاً جداً فى عمليات الاستخدام، حسب قوله.
وفى إطار الحديث عن «المخلفات الخطرة» وإعادة تدويرها، ومن بينها مثلاً مخلفات المستشفيات والإشعاعات، يؤكد الدكتور عادل ياسين، أن عملية إعادة تدويرها لا بد أن تقوم على أُسس علمية سليمة لكى يعاد تدويرها واستخدامها، ونفس الشىء بالنسبة للأجهزة الإلكترونية والموبايلات، التى تحوى مواد خطيرة ومشعة وكذلك معادن ثمينة، ويصبح التحدى هو كيفية استخراجها واستخدامها بطريقة إيجابية سليمة وإعادة استخدامها، لأنه «فى عمليات التدوير إذا لم يكن الناتج مدروساً جيداً وتأثيراته البيئية والحيوية على المجتمع، فإنه يمكن أن يكون ضاراً»، حسب قوله.