وليد طوغان يكتب: القاهرة الرياض بكين.. آفاق أوسع لعالم أكثر عدالة

كتب: نوران علام

وليد طوغان يكتب: القاهرة الرياض بكين.. آفاق أوسع لعالم أكثر عدالة

وليد طوغان يكتب: القاهرة الرياض بكين.. آفاق أوسع لعالم أكثر عدالة

( 1 )

لا يصح أن يكون السؤال : ماذا يريد الصينيون من العرب؟ ولا: ما الذى يريده العرب من الصين ؟

السؤال ينبغى ان يكون : ما الذى يمكن أن يتعاون فيه الصينيون والعرب وسط احداث سياسية شديدة الخصوصية وشديدة التقلبات فى كوكب بدأ يغلى بالنزاعات الجيوسياسية تحكمها المصلحىة وتسيطر عليها – احيانا – ضمائر ميتة .

 

الصينيون حريصون على توضيح الدور الذي يريدون لعبه في الشرق الأوسط ..قبل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية أصدرت بكين تقريرًا من 19 ألف كلمة عنوانه  "التعاون الصيني العربي في عصر جديد" .

ماذا قالت الصين فى التقرير ؟

قالت انها تقدم نفسها " شريك استراتيجى مخلص للعرب .. لم يسع يوما الا الى التعاون والمصالح المتبادلة ، ولم يجرى يوما وراء أي مصلحة جيوسياسية "

 

المعنى ان الصين ليست كما الولايات المتحدة ، وان الصين يمكن ان تكون شريك حقيقى مخالف فى السلوك والاولويات .. والمفاهيم عن الولايات المتحدة .

 

لن تحول مجريات القمة العربية الصينية طريق العرب بعيدا عن الولايات المتحدة كما قال بيان القمة الختامى .. لكن ليس هناك ما يمنع من التعاون المتوازن بين العرب والصين كما بين الولايات المتحدة والعرب .

 

حظيت القمة الصينية العربية بمتاعبة دولية وترقب . حضر رئيس مصر بعدة رسائل تحمل هموم العالم العربى والدول الناهضة . جدد الرئيس المصرى شواغل الدولة فى الفترة المقبلة وسط التقلبات الدولية وتغيراتها السريعة والخطيرة .

 

وضع رئيس الدولة ازمتى الغذاء والطاقة على راس الشواغل التى لابد ان يعمل العالم عليها وفق اسس ناجعة ، ولفت الرئيس السيسى الى مسألة الديون مطالبا المجتمع الدولى بتخفيف عبئها على الدول النامية .

 

تسعى مصر طوال الوقت لنظام عالمى اكثر عدالة ، يضع نصب عينه الانصاف ، وحلولا للقضايا وفق ثوابت عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول . تصر مصر على ان القضية الفلسطينية هى اساس الصراع فى الشرق الاوسط ولابد لها من حلول عادلة وفق الشرعية الدولية والمرجعيات القانونية الدولية .

لفت رئيس الدولة المصرية الى ضرورة ان يضطلع المجتمع الدولى بتعهداته ، فيما يتعلق بقضية المناخ .

تنطلق مصر فى سياساتها الاقليمية والدولية من مصالحها ، لم تعد السياسة ترسم فى الشرق الاوسط على نهج التبعية والاملاءات ، لذلك  اكد رئيس الدولة المصرية على ان مصر تبحث عن مزيد من سبل التعاون مع الصين ، مجددا التاكيد على قضية الامن المائى العربى ، واصرار مصر على التفاوض لاتفاق ملزم فيما يتعلق بمسألة سد النهضة الاثيوبى .

 ( 2 ) 

الثقة بين الجانبين الصينى والعربى وفى القلب منه مصر قوية . الفرص مواتية وهناك قواعد تاريخية وسياسية راسخة يمكن البناء عليها . تطوير العلاقات بين مصر والصين يلوح فى الافق ، وفق مصالح الدولتين ، ووفق رؤى الدولتين ووفق ثوابت الدولتين .

ومن مصر للعرب ، فانه ليس هناك ما يمنع من ان تصبح العلاقات العربية الصينية نموذجاً للعلاقات الدولية والنظام العالمى الجديد ، بمواصفات فريدة قائمة على الشراكة فى المصالح والشراكة فى الثوابت تجاه القضايا المحيطة فى المنطقة والاقليم .

حققت الصين ما ينظر اليه بانه نموذج فى التنمية . مصر حققت ايضا تجارب تحتذى فى مجال التنمية وحقوق المواطن واستعادة البنية التحتية وتاهيل المناخ للانتاج والاستثمار .

جهود مصر مستمرة ، تسابق الزمن نحو الانفتاح والاصلاح ، وتميد الطريق نحو مزيدا من الانتاج فى الطريق للمستقبل .

تتوافق الرؤى المصرية الصينية فيما يتعلق بمجالات التنمية المستدامة وحلولها والسعى نحو مزيد من الانتاج فيها باعتبارها خيارا للمستقبل .

سياسيا ، تتوافق الرؤى المصرية الصينية فيما يتعلق باستمرار جهود انتشال بعض الدول العربية التى واجهت صراعات داخلية للعودة لطريق الإصلاح والتنمية، وحل القضية الفلسطينية، والقضاء على الإرهاب والتطرف، والحفاظ على الاستقرار الإقليمى والسلام.

لذلك شهدت العلاقات المصرية الصينية نقلات نوعية ، ووصل رقم الميزان التجارى بين البلدين لـ 12 مليار دولار سنويا .. والمزيد فى الطريق .

 

( 3 )

 

بالورقة والقلم .. وحسب معادلات السياسة ، فان خطوات الصين نحو العرب اسرع . ونحو مصر اكثر سرعة .

منذ سنوات ، ادركت بكين  انه لابد لها من ان تضع خطوطا عريضة لاعادة صياغة تواجدها فى المنطقة العربية .

ليست المسألة ملىء فراغ تركته واشنطن ، فالمنطقة ليست منطقة فراغات ، ولا العرب محل تجاذبات .

المصالح غالبة ، ولدى العرب ، ولدى مصر بالذات مزيدا من الفرص الواعدة فى مجالات الاستثمار ، كما ان القاهرة رقما مهما على مقياس السياسة فى المنطقة والاقليم .

لذلك فان علاقات الشراكة الاستراتيجية مع  الصين تحقق تقدما مستمرا . ومن القاهرة للعلاقات ما باقى الدول العربية التقدم مستمر . سقف التعاون على مستوى مبادرة الحزام والطريق متصاعد ، للان هناك اكثر من  12  شراكة ذات طابع استراتيجى ، ووقعت الصين مع 20 دولة عربية أكثر من 200 مشروع للتعاون فى مجالات كثيرة مثل الطاقة والبنية التحتية .

مصر على قائمة اولويات التعاون الصينى فى عدة مجالات اهمها الطاقة المتجددة .. ومشروعات الذكاء الاصطناعى ، ضف اليها مجالات  البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين .. اضافة الى ما يتعلق بالفضاء والأقمار الاصطناعية .

اصدرت الصين قبل اكثر من عام وثيقة لخصت فيها شواغلها فى المنطقة العربية وعكست فى تلك الوثيقة حرص بكين على رسم خطوط للتعاون العربى .

الاساس فى تلك الوثيقة مبادىء تتناغم تماما مع ثوابت مصر فيما يتعلق بالسياسة فى الاقليم وادارة المعادلات والعلاقات الدولية .

اسست الصين وثيقتها على التعاون على اساس المنفعة المتبادلة بعيدا عن أى تدخلات فى الشئون الداخلية أو السياسية ، وتضمنت أسسا جديدة للتعاون فى مجالات السياسة والاقتصاد والامن والتجارة .

تتجه الصين نحو الشرق بقوة . وفى الشرق ، بدأت بافتتاح أول قاعدة عسكرية خارج حدودها فى جيبوتى . مكان القاعدة فى جيبوتى له دلالاته ، فالمقوع استراتيجى ، يشرف على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس.

نمت تجارة الصين مع  الدول العربية لنحو  330 مليار دولار حسب " جلوبال تايمز" الصينية .

المفاجأة هنا .. ان هذا الرقم كان اقل من ربع حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي !

وصل حجم تجارة بكين مع اوروبا 709 مليار دولار العام الماضى . و615 مليار دولار مع  الولايات المتحدة 615  !

 ومع ذلك يترقب الغرب  بقدر من الريبة تطور العلاقات الصينية - العربية ، وخلال الفترة المقبلة ، سوف تزيد النظرة الغربية ريبة قد تتحول الى ما يشبه الحنق من  التقارب العربى الصينى .

تعمل الصين على انجاح مبادرتها الحزام والطريق ( تتوافق مع رؤية مصر 2030 تماما ) بما يعود بالنفع على بكين وعلى الدول المشاركة ، لكن الولايات المتحدة فى المقابل تسعى بكل الطرق لعرقلة المشروع الصيني .

ترى واشنطن ان المبادرة الصينية فيها من عوامل التصاعد لنفوذ الصين فى العالم العربى الكثير .

ربما لذلك ، اطلقت مجموعة الدول الصناعية خطة بـ  600 مليار دولار أميركي لمنافسة بكين فى "الحزام والطريق".

حملت الصحافة الامريكية ادارة بايدن ما اسمته " الفتور " الذى اعترى العلاقات الاميريكية بالمنطقة ودولها .

لكن .. من الذى قال ان التقارب العربى الصينى ، موجه الى الولايات المتحدة او ضدها ؟

 مقال الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة صباح الخير في العدد الجديد للمجلة.


مواضيع متعلقة