المهندس أحمد الشراكي يكتب: موضوع وملف الأعلاف

المهندس أحمد الشراكي يكتب: موضوع وملف الأعلاف
قدرنا فى مصر أن مساحة الأراضى الزراعية محدودة وهى مشكلتنا الأزلية، بالإضافة إلى مشكلة أبدية أخرى وهى مشكلة خامات الأعلاف.
فالمساحة الزراعية المحدودة يتنافس عليها مزارعو محاصيل الحبوب والخضر والفاكهة اللازمة لغذاء الإنسان، والبرسيم اللازم لغذاء حيوانات الفلاح، وبالتالى فإن المساحة المتاحة لزراعة خامات علف الدواجن والأسماك والماشية كالصويا والذرة الصفراء مساحة محدودة جداً.
فالأرض الزراعية كلها التى نملكها تقل فى كثير من الأحيان عن مساحة الأرض التى تدمرها موجة فيضان عادية فى دول أخرى كباكستان أو إندونيسيا أو الأرجنتين أو أمريكا أو الهند، لذلك ليس أمامنا فى الوقت الحالى إلا الاستيراد، إلى أن نتمكن من ابتكار بدائل أخرى. والتعامل مع ملف الاستيراد تعامل عجيب، فالكميات الهزيلة المسموح باستيرادها مع تراكمها فى الموانئ لفترات طويلة تكلف المستوردين مصاريف إضافية وتعطى فرصة لاحتكار مجموعة من المستوردين الواصلين والشركات المحتكرة.
فمثلاً: طن الصويا وصل إلى ٣٣ ألف جنيه للطن، فى نفس الوقت الذى تنخفض أسعاره عالمياً والذى لا يزيد ثمنه حسب سعر الدولار المتداول على ١٨ ألف جنيه، يعنى قريباً من ضعف ثمنه الحقيقى بسبب هذه السياسة الغريبة ونفس الحال بالنسبة للذرة الصفراء!!
والسؤال هنا: هل الأفضل استيراد أسماك ودواجن جاهزة من السوق العالمية بدلاً من إنتاجها محلياً ونستغنى عن ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة ونضحى بالمليارات التى استثمرت فى إقامة هذه المشاريع؟ وهل هذا سيوفر عملة صعبة أم سيزيد من العبء عليها؟ أظن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى خبير اقتصادى.
كيلو العلف للبلطى ٣٠% بروتين وصل إلى ٢٠ جنيهاً وكل كيلوجرام سمك يحتاج إلى ١٫٥ كيلو علف فى المتوسط، يعنى تكلفة الكيلو من العلف فقط وصلت إلى ٣٠ جنيهاً يضاف إليها ١٠ جنيهات أخرى تكلفة الطاقة والعمالة والزريعة والنقل والإيجار.. إلخ، يعنى تكلفة الكيلو وصلت لـ٤٠ جنيهاً.
فى نفس الوقت الذى لا يزيد فيه متوسط سعر البيع من المزرعة على ٣٢ جنيهاً بعد عمولة تاجر الجملة والصيد والنقل، يعنى خسارة ٨ جنيهات لكل كيلوجرام سمك تقريباً.
ما يزيد من تفاقم المشكلة حقن المسكنات والأوهام التى يسوقها البعض والتى تشتت الانتباه عن حجم المشكلة الأساسية وتداعياتها مثل:
- القول بالتوسع فى زراعة الخامات عندنا، كالصويا والذرة الصفراء وهو حل محدود الجدوى جداً لقلة المساحات المتاحة.
- أو البدائل كالطحالب والنيماتودا والحشرات وغيرها التى قد تمثل حلولاً جزئية مستقبلية يتبين ضعف مساهمتها فى المدى القريب، مع معرفة كمية الخامات التى نستخدمها فى صناعة أعلاف الأسماك والدواجن والتى تقدر بملايين الأطنان.
- أو المناداة باستخدامات تقنيات حديثة، كالبيوفلوك الذى يوفر جزئياً فى الأعلاف لكن يزيد الاعتماد جداً على الطاقة مرتفعة الثمن ويحتاج إلى استثمارات لا يمكن ضخها مع خسائر المنتجين وارتفاع تكلفة الكيلو فيها والمخاطرة مقارنة بالاستزراع العادى شبه المكثف.
- خطط متفائلة بزيادة الإنتاجية بمقدار ٥٠% فى خطة الدولة ٢٠٣٠ فى نفس الوقت الذى يتهدد فيه مستقبل الإنتاج أصلاً.
- أوهام التعويل على مصائدنا الطبيعية الفقيرة جداً فى إنتاجها السمكى، كالبحر الأبيض أو الأحمر، أو بحيراتنا الشمالية، كالمنزلة والبرلس التى ظهرت نتائج التطوير الهزيلة على إنتاجها السمكى أو بحيرة السد الذى يقدر الخبراء إنتاجها المستدام بما لا يزيد على ٢٥ ألف طن.
واضح أن الأزمة مصطنعة لصالح محتكرين أفراد وشركات، ومسئولين لا يقدرون عمق الأزمة أو المصيبة التى تحيق بالوطن والمواطن لو انهارت صناعة الأسماك والدواجن.
مطلوب فوراً الإفراج عن كل الشحنات المطلوبة من الخامات بدون تأخير، لأن سياسة التقتير هذه لن تفيد إلا فئة المضاربين والمحتكرين الذين وصفهم «نجم» بقوله:
قصرك المسحور غيلانه، أغبى من دود الغيطان
بعد مص الغصن الأخضر، ينحتوا عضم العيدان
واللى خلى الأرض خضرة، واللى خلى الدار أمان
مات بجوعه ملو جوفه، مات بخوفه م الغيلان.
* خبير الاستزراع السمكى