الأمن الغذائي والتغير المناخي

فى الثالث من نوفمبر 2022م، صدر القانون رقم 164 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966م، ونُشر بالجريدة الرسمية فى ذات يوم صدوره، وبدأ العمل به اعتباراً من اليوم التالى لتاريخ نشره.

وبموجب هذا التعديل، شدّد المشرّع العقوبة المقررة لكل من يخالف حظر إقامة أى مبانٍ أو منشآت فى الأرض الزراعية والأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية، أو اتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم هذه الأراضى لإقامة مبانٍ عليها.

وبمقتضى هذا التعديل، غدت العقوبة المقررة على مخالفة الحظر أو الشروع فيها هى الحبس مدة لا تقل عن سنتين، ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على عشرة ملايين جنيه، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات.

كذلك، قرر المشرّع عقاب المهندس المشرف على التنفيذ أو المقاول بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه.

ويُحكم فضلاً عن ذلك بشطب اسم المهندس أو المقاول من سجلات نقابة المهندسين أو سجلات اتحاد المقاولين، بحسب الأحوال، وذلك لمدة لا تزيد على سنة، وفى حالة العود يكون الشطب لمدة مساوية لمدة العقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها عليه.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بالإزالة وإعادة الشىء لأصله على نفقة المخالف ومصادرة الآلات والأدوات والمستلزمات المستخدمة فى ارتكاب الجريمة.

ويخول المشرّع لوزير الزراعة أو من يفوضه من المحافظين أن يأمر بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإدارى، وإعادة الشىء لأصله على نفقة المخالف. ويجب على الشركات القائمة على إدارة وتشغيل المرافق الأساسية من كهرباء ومياه وغاز عدم توصيل أو قطع تلك المرافق أو نقلها، بحسب الأحوال، إلى العقار محل المخالفة.

وتُعتبر الجرائم المنصوص عليها فى هذه المادة من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة.ووفقاً لتقرير اللجنة التشريعية، يرمى هذا القانون إلى حماية الأمن القومى الغذائى، وحماية الرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها وردع المخالفين المتسببين فى تآكل آلاف الأفدنة وتبويرها والبناء عليها، والتى تؤثر تأثيراً مباشراً على الاقتصاد القومى والتنمية المستدامة والإنتاج الزراعى، من خلال تشديد العقوبة المقررة على هذا الفعل أو الشروع فيه.

وأكدت اللجنة التشريعية فى تقريرها أن مشروع القانون جاء متسقاً مع نص المادة (29) من الدستور، التى تقضى بأن الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتجريم الاعتداء عليها.

وأشارت اللجنة إلى أن مشروع القانون جاء فى ضوء ما أفرزه الواقع العملى من عدم كفاية النصوص القائمة فى تحقيق الردع بشقيه الخاص والعام واستمرار التعدى على بعض الأراضى الزراعية، كما أنه يهدف إلى حماية الأمن القومى الغذائى، خاصة فى ظل الأزمة الروسية الأوكرانية.

وكما هو واضح من تقرير اللجنة التشريعية، فقد أفرزت الأزمة الروسية الأوكرانية أهمية حماية الأمن القومى الغذائى، وضرورة الاهتمام بالزراعة، حتى لا يتم الاعتماد على الاستيراد فى توفير السلع الأساسية، مثل القمح والأرز وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية.

ومن ناحية أخرى، لعله كان مقصوداً أن يتزامن صدور القانون مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27)، الذى استضافته مصر فى مدينة شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، فى الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الحالى.

وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات تؤكد أن التغيرات المناخية تهدد الأمن الغذائى المصرى، إذ تؤكد دراسات علمية أن الارتفاع والانخفاض فى درجات الحرارة وانخفاض نسب توافر المياه وهطول الأمطار المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية، سوف تقلل من صافى الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، وسوف تتسبب فى زيادة الآفات وأمراض النبات.

وهذه الآثار ليست قاصرة على مصر وحدها، وإنما تمتد إلى دول العالم أجمع، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة من دولة إلى أخرى.

وللتعامل مع هذا الوضع والحد من الآثار السلبية له، تؤكد لجنة الأمن الغذائى العالمى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للزراعة (الفاو) على أهمية وضع استراتيجيات زراعية تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى مواجهة تغير المناخ والحفاظ على الأمن الزراعى.

وبدورها، وفى العديد من التقارير الصادرة عنها، تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن «تغيُّر المناخ يمثّل تهديداً خطيراً للأمن الغذائى العالمى والتنمية المستدامة وجهود القضاء على الفقر.

وتتميز التقنيات النووية بمزايا كبيرة عن التقنيات التقليدية.

وتساعد الوكالة الدول الأعضاء على استخدام هذه التقنيات لقياس أثر تغيُّر المناخ والتكيف مع آثاره، مما يساعد فى تحسين الزراعة وقدرة نُظم إنتاج الأغذية على الصمود. وبحلول العام 2050م، من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بنسبة الثُّلث، مع حدوث أعلى زيادة فى البلدان النامية.

وتقدِّر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أنه إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية فى نموّ الدخل والاستهلاك دون هوادة، فإنه سيتعيَّن على الإنتاج الزراعى أن ينمو بنسبة 60 فى المائة لتلبية الطلبات المتزايدة المتوقعة على الأغذية والأعلاف.

ومن أجل إطعام سكان العالم المتزايدين، وتوفير الأساس للنمو الاقتصادى والحد من الفقر، يجب أن تشهد الزراعة تحولاً كبيراً.

وستصبح هذه المهمة أكثر صعوبةً بفعل تغيُّر المناخ.

وقد تركت بالفعل الظواهر المناخية الأشدّ قسوة وازدياد عدم القدرة على التنبؤ بأنماط الطقس أثراً على الزراعة والأمن الغذائى، مما أدّى إلى انخفاض الإنتاج وتراجُع الدخول فى المناطق المعرَّضة للضرر.

وستحتاج الزراعة إلى الانتقال إلى نُظم أكثر إنتاجية، وتستخدم المدخلات بشكل أكثر كفاءة، وتتسم بتقلبات أقلّ واستقرار أكبر فى نواتجها، مثلما تتسم بأنها أكثر مرونةً إزاء المخاطر والصدمات وتقلُّب المناخ على المدى الطويل.

ويجب أن يتحقق هذا التحوُّل دون استنفاد قاعدة الموارد الطبيعية.

وسيتعين أيضاً أن يستتبع ذلك انخفاضٌ فى انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة فى بالوعات الكربون، مما سيسهم إسهاماً كبيراً فى التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.

ومن العوامل الهامة فى عملية التكيُّف قياس الآثار الملموسة لتغيُّر المناخ على الزراعة وإنتاج الأغذية.

وتتيح العديد من التقنيات النووية وسائل لمعرفة المزيد عن تأثير تغيُّر المناخ وكيفية التصدّى له، ابتداءً من السيطرة على تآكل التربة وتدهور الأراضى ووصولاً إلى تحسين خصوبة التربة وكفاءة استخدام المياه.

ويمكن أن تحدِّد تقنية نظير النيتروجين-15، على سبيل المثال، مصدرَ أكسيد النيتروز وأن تساعد فى إيجاد طُرق لكيفية تقليل انبعاث هذا الغاز.

وتُستخدم بصمات الكربون-13 فى التربة جنباً إلى جنب مع النويدات المشعة المتساقطة لتحديد مصادر تدهور الأراضى فى الأراضى الزراعية، وهو ما يساعد فى مكافحة تآكل التربة، وفى تحديد مقدار مساهمة مخلفات المحاصيل فى تحسين خصوبة التربة وقدرتها على الصمود.

ويمكن أيضاً استخدام تقنية النيتروجين-15 فى تحديد مدى التقاط النيتروجين فى الغلاف الجوى بواسطة المحاصيل البقولية ومساهمة الأسمدة النيتروجينية فى المحاصيل الحالية واللاحقة، فى حين يمكن أن تساعد بصمة الأكسجين-18 فى تحديد كمية المياه المفقودة خلال ممارسات إدارة المياه الزراعية جرّاء تبخُّر المياه من التربة وتعرُّق النباتات.

وهذا بدوره يساعد فى تحسين كفاءة استخدام المياه ويعزز قدرة النباتات على الصمود».

الأمر إذن جد خطير، وعلى المجتمع الدولى بأسره، وعلى الدول الكبرى على وجه الخصوص، أن تبادر دونما تأخير إلى المواجهة الجادة لظاهرة التغير المناخى، قبل أن يفوت الأوان.

وإذا كانت الدول الصناعية الكبرى قد استفادت من الثورة الصناعية، وإذا كانت هذه الدول هى السبب فى هذه الكارثة من خلال نسبة العوادم التى سببتها مصانعها، فإن المبادئ القانونية العامة التى استقرت عليها الأمم المتمدينة تقضى بأن تتحمل هذه الدول نتيجة فعلها الضار، فالمبدأ القانونى يقول إن «الغُرم بالغُنم».

وثمة مبدأ قانونى آخر يقضى بأن كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.

وليس معقولاً أن تهتم الدول الغربية بقضايا فرعية وبحالات فردية بحجة حماية حقوق الإنسان، بينما تتجاهل حقوق البشرية جمعاء. حقوق الإنسان لا تتجزأ. ومن أفسد شيئاً، فإن عليه إصلاحه. حفظ الله البشرية من كل مكروه وسوء.