رؤوف غبور.. خبرات ووصايا

بدأ حياته التجارية وهو طفل صغير فى الابتدائية بـ15 قرشاً فقط كسب منها نصف مليون جنيه وهو لا يزال طالباً فى الجامعة.

كان عاشقاً للتجارة منذ نعومة أظفاره، كان تاجراً بفطرته، لاحظ والده أنه يأخذ من أمه قروشاً كثيرة، حذّرها من ذلك لئلا ينحرف كعادة جيل آبائنا، واتفقا معاً على أن يكون مصروفه أسبوعياً وقدره 15 قرشاً، كان عمره وقتها سبع سنوات، فكر فى استثمارها، ذهب إلى محل عمر الخيام للحلويات بمصر الجديدة، وجد صينية البسبوسة بـ60 قرشاً طلب ربعها قالوا له: إما صينية أو النصف، «مفيش ربع»، ذهب إلى الشغالة واقترض منها 15 قرشاً «وسأرجعهم 20 قرشاً»، استهواها العرض.

ذهب واشترى نصف صينية بسبوسة، وقطّعها إلى 12 قطعة وباعها فى حديقة الأطفال بنادى هليوبوليس بـ60 قرشاً، ثم عاد ليشترى صينية كاملة، وباعها فى النادى، وظل كذلك طوال الأسبوع حتى كسب آخره خمسة جنيهات.

رفض أن يأخذ مصروفاً من أمه، لأنه يكسب من عرق جبينه وأصبح غنياً وهو طفل، ومن يومها لم يأخذ مصروفاً من والديه، وظل يتاجر فى كل شىء، وعندما بلغ عمره 12 عاماً كان يتحدّث مع قريب له يعمل فى وحدة البحوث الطبية للبحرية الأمريكية، وكان مقرها فى العباسية، فحكى له أن الوحدة تبيع الأجهزة الكهربائية بعد عام واحد فى مزاد عام، رتّب أمواله للمزاد المقبل، رسا عليه المزاد، وكان بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه وكان مبلغاً كبيراً وقتها، ولكنه كان قد أعد نفسه لذلك، تسلم البضاعة ووضعها فى جراج سيارة والده.

ذهب إلى محل كبير لإصلاح الأدوات المنزلية فى رمسيس، فسأل عن الأسعار، ثم عرض على صاحب المحل رؤية ما اشتراه من المزاد فأعجبت التاجر، فقال له الشاب الصغير: اشتريتها بعشرة آلاف، وكانت بثلاثة فقط، اتفقا على عرض أجهزة الشاب فى محل التاجر والمكسب بالنصف، حقّق أرباحاً طائلة من هذه المزادات.

جاءته فرصة العمر حينما كان يذاكر دروسه مع صديق له، فدخل خال صديقه وقال له: يا رؤوف معى مائة ألف دولار، فهل يحتاجها والدك، كان الدولار وقتها يساوى 65 قرشاً تحدّث مع والده فى ذلك فقبل الصفقة، فقال له «رؤوف» والدى سيدفع 64 قرشاً فقط فى الدولار فوافق الرجل، حدثت الصفقة وكسب منها قرشاً فى كل دولار.

بدأ يتاجر فى العملة بكثافة، حينما تخرج فى الجامعة فى منتصف السبعينات كان رأسماله وصل إلى نصف مليون جنيه، كانت هذه بدايات رجل الأعمال والصناعة المصرى الشهير رؤوف غبور، الذى سطع فى سماء الصناعة المصرية.

مع اندلاع حرب أكتوبر تطوع لمعالجة مصابى حرب أكتوبر، أغمى عليه مع فداحة إصابات الجنود، فأدرك أن مهنة الطب لا تناسبه.

عمل فى شركة والده بمرتب ضئيل لسنوات طويلة، ولم يطلب رفع مرتبه، استطاع بجرأته أن يرفع حجم مبيعات الإطارات فى شركة أسرته من 50 ألفاً إلى 5 ملايين جنيه، واحتل مكانه مرموقة بقطاع الإطارات داخل الشركة، ثم حصل على عقود توزيع حصرية لعلامات تجارية عالمية، تعرّض بعدها لخسائر جسيمة توازى مكاسب الفترة السابقة.

فوجئ بمسئول كبير من اليابان يخبره بأنهم فخورون بنشاطه فى تجارة الإطارات، وأن شركاته مستعدة لتخفيض ثمن الإطارات 30%، فعوضته عن خسائره، واستطاع الحصول على توكيلات كثيرة جديدة.

استقل عن العائلة فى شركة خاصة به، اتّهم فى قضية رشوة زوراً، حيث رفض أن يشهد زوراً ضد موظف برىء، ضاعت كل التوكيلات، خسر 2 مليار ونصف كاملة بعد توقف السياحة والاستثمار بعد حادثة الأقصر.

كاد يفلس عدة مرات، ولكن ثقة البنوك والصناع والتجار مع مجهوده ودقته كانت تنقذه فى كل مرة.كان يدعو الله فى كل يوم أن يستره الله ولا يفضحه، سدد 2 مليار كاملة للبنوك.

من أسرار نجاحه أنه كان قارئاً ناجحاً لمستقبل الصناعة والتجارة، استشعر قوة اليابانيين والكوريين قبل غيره، وبعدها استشعر قوة الصينيين، تعامل معهم جميعاً وثقوا فيه ووثق فيهم.

حقق طفرة كبيره فى صناعة السيارات، كان سابقاً لغيره بخطوات، لم يتوقف عند نجاح محدد، كان يتجاوزه إلى نجاح آخر، مشكلات صناعة السيارات جعلته يفكر فى تجهيز ورشة صغيرة للشباب بأقساط صغيرة، وأنشأ مشروع «تساهيل» وغيره للقروض الصغيرة.

بلغ عدد العاملين فى شركاته قرابة 14 ألف عامل ومهندس يعتبرهم أولاده، انعكس ذلك على تصرفاته معهم واهتمامه بهم، سواء فى التأمين عليهم أو عمل صندوق معاشات لهم، يخصم 3% من مرتب الموظف تسهم الشركة أمامها بـ5%، لتصبح 8% يستثمرها بعوائد محترمة تُدخر للعامل، ليجد معاشاً محترماً جداً.

لم يساعد الفقراء بالطرق التقليدية، ولكنه اختار الاستثمار للفقراء فى التعليم والتنمية، فأسس «مؤسسة غبور للتنمية»، وأخذ المدارس الفنية من الدولة وأعاد تأهيلها وتجهيز معاملها بالاتفاق مع مدرسة ألمانية فنية لتدير هذه المدارس إدارة كاملة، هذه المدارس تعد رائدة فى الصناعة، وخريجوها مطلوبون فى مصر والخليج وأوروبا.

دائماً يكرر أن مشكلة مصر هى غياب الفنيين وليس المهندسين وهذا صحيح.

دعم مؤسسة إدماج أطفال الشوارع ونجح نجاحاً باهراً فى ذلك.

أكثر ما أحزنه وآلمه وفاة زوجته، صانعة المعروف، بالسرطان «علا غبور»، التى كان لها دور كبير مع زوجها فى إنشاء مستشفى 57357، فقد وضعت أول مليون جنيه فى بناء هذا المستشفى العظيم، عاشت للمستشفى بنفسها ومالها، جمعت الملايين من أجل المستشفى من كل من تعرفه، وشجّعت د. مجدى يعقوب على إنشاء مستشفاه لجراحات القلب فى أسوان، وكان باكورة مستشفياته فى مصر.

كان يرى أنه لا ينبغى على الدولة أن تنافس القطاع الخاص وإلا فشل الأخير وكسدت السوق، يرى أن المغرب وتركيا يشجعان الاستثمار أكثر من مصر.

فى يوم تنازله عن رئاسته للشركة لابنه نادر وجد رسالة طبية مؤلمة بإصابته بمرض سرطان البنكرياس.

أصاب السرطان والده وزوجته، ثم أصابه هو، ولكنه لم يستسلم، هو نموذج يحاكى طلعت حرب، وعثمان أحمد عثمان، ومحمود العربى، وصلاح حسب الله، وصلاح عطية، إنها نماذج رائعة فتحت آلاف البيوت وعمرت الدنيا ورحمت الفقراء والمرضى.

سلام على صناع المعروف ومحبى الفقراء والأيتام والمرضى، ومنهم د. رؤوف غبور.