من «قمة الفوضى» إلى «قمة المناخ».. ماذا حدث في مصر؟

إمام أحمد

إمام أحمد

كاتب صحفي

فى الحادى عشر من فبراير 2011 أعلن الرئيس الراحل مبارك تنحيه عن الحكم. احتشدت الميادين باحتفالات غامرة. رأى المحتفلون - وكاتب هذه السطور منهم - أن مصر تدخل مرحلة جديدة شامخة، حرة، مستقرة. كانت الأحلام المبهجة تطير فى سماء مصر. انتهت الاحتفالات، وذهبنا جميعاً لأسرّتنا، ثم استيقظنا فى اليوم التالى على كابوس!

خرجت مصر من ميدان يناير لتدخل بعده نفقاً معتماً. لا أحد لديه تصور، لا أحد يملك بديلاً، لا أحد قادر على إيقاف القطار الذى خرج عن قضبانه وانطلق بأقصى سرعة بين شوارع المدينة ليُحدث فوضى عارمة.

دوائر الفوضى تتسع كل يوم، ولا أحد يعرف من أين نبدأ. تدوينات تويتر وفيس بوك لم تقدم بديلاً حقيقياً متماسكاً، وينبغيات النخب لم تُعِد القطار المنفك إلى قضبانه. كل الكلام بدا مجرد شعارات استهلاكية غير مدعوم بآليات تنفيذ ولا حلول قابلة للتطبيق.

أمام كل هذا عاشت مصر عاماً ونصف العام من الفوضى غير الخلاقة. لم يكن مستغرباً أن ينتهى المسار إلى تمكين الجماعة الإرهابية ليكتمل المشهد قتامة وتكتمل الصورة قبحاً. عام آخر من الفوضى المعززة بموجة تطرف وتكفير غير مسبوقة عاشته مصر المنهكة حتى طلعت شمس الثلاثين من يونيو.

أزاحت ثورة يونيو حكم الجماعة، ليبدأ البلد وأهله مرحلة انتقالية جديدة. فوضى الحجارة والمولوتوف فى 2011 و2012 تحولت إلى فوضى بالرصاص والعبوات الناسفة فى 2013 و2014. بدت مصر على حافة السقوط، راهن الكثيرون - محبين وكارهين - على أنها ذهبت إلى طريق لن تعود منه.

يستقر فى يقينى أن يونيو 2013 إلى يونيو 2014 أصعب عام عاشته مصر فى تاريخها الحديث كله. إرهاب داخلى واسع المدى، اقتصاد يوشك على الإفلاس، مجتمع خائف من مستقبل يجهله وماضٍ لم تلتئم جراحه، محاولات لىّ ذراع من الخارج، مقاطعة ومحاصرة ورغبة فى معاقبة دولة 30 يونيو.

أفلتت مصر من مخالب العام الأصعب، أخذت دولة 30 يونيو ترمم العقار الذى كان يوشك على الانهيار، الرجل الذى ألقى بيان 3 يوليو الحاسم هو نفسه الرجل الذى اختاره المصريون رئيساً فى ظرف استثنائى خطير.

بدت المهمة غير سهلة، خاصة بالنظر إلى فاتورة سنوات الفوضى الثلاث سياسياً واقتصادياً. أولويات الرئيس كانت تثبيت أركان الدولة، واستعادة الاستقرار إلى المجتمع، والعمل جنباً إلى جنب على تحقيق تنمية شاملة من خلال حزمة من المشروعات القومية وتحديث البنية الأساسية بما يؤهل لتحريك عجلة الاقتصاد الجريح.

أمام هذه الأولويات العاجلة كان طبيعياً أن تتراجع كل أشكال الترف السياسى. البعض رأى أن انطفاء ضوء ائتلافات الشباب وانزواء الأحزاب السياسية وتعطيل مظاهر يناير ويونيو كان إعلاناً رسمياً بموت السياسة فى البلاد. لا أتفق مع هذا الرأى، ما حدث فى سنوات الولاية الأولى للرئيس كان عملية جراحة ضرورية، لولاها لمات المريض، وليس السياسة فحسب!

يقول شارل ديجول إن السياسة أكبر من أن تُترك للسياسيين. يصح هذا القول فى الظروف الاستثنائية. على نحو ما هذا هو ما حدث بدقة شديدة، لم تكن البلاد تحتمل فوضى جديدة.

فى السنوات الأخيرة استطاعت البلاد أن تستعيد شفاءها، وتستعيد قواها، وتبعد عن دوائر الخطر، وباتت مؤهلة لانطلاقات أكبر فى السياسة والاقتصاد، فى الداخل والخارج، فى الأولويات وقضايا الرفاهة والترف أيضاً.

العام الماضى أطلق الرئيس الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهى خطوة جيدة تحتاج إلى أن تُدعم بجدول زمنى ومؤشرات قياس. وأبريل الماضى أطلق الرئيس دعوة الحوار الوطنى، وهى خطوة جيدة تفتح المجال أمام الجميع، مؤيدين ومعارضة، لطرح وجهات النظر فى 19 قضية تغطى تقريباً كل شىء فى السياسة والاقتصاد والمجتمع.

هذه رحلة 12 عاماً انتقلت فيها مصر من الشعور العام بالخطر إلى الشعور العام بالأمان، ومن الآفاق المجهولة إلى الآمال الواعدة. رحلة انتقلت فيها من قمة الفوضى إلى قمة الاستقرار.

بالطبع ما زالت هناك أخطاء، يجب تصحيحها.

وبالطبع ما زالت هناك نقاط ضعف، يجب تقويتها.

وبالطبع ما زالت هناك خطوات إصلاح كثيرة، يجب استكمالها.

لكننا لا نريد العودة إلى الوراء أبداً.