العراق.. حكومة تحدِّي إبطال الألغام

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

من النقاط التى وردت ضمن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة العربية إشارة مهمة إلى ضرورة وقف التدخلات الخارجية فى الشأن العربى.

كما لخصت جملة جاءت فى كلمة الرئيس العراقى عبداللطيف رشيد مدى نجاح مستقبل حكومة رئيس وزراء العراق محمد شياع السودانى، مؤكداً وجود تحديات كثيرة أمامه.

أخطر هذه «الألغام» يتمثل فى ضغوط الكتل الولائية التى تتجه قبلة ولاءاتها نحو أطراف إقليمية، حتى إن تقارير إخبارية أكدت سفر عناصر من الأذرع المسلحة لهذه الأحزاب للمشاركة فى قمع الاحتجاجات فى دول خارج العراق.

صحيح أن هذه الكتل نجحت فى اقتناص شرعية البرلمان لصالح مرشحها السودانى، لكن الحكومة الجديدة تبقى بحاجة إلى شرعية الإنجاز واكتساب قبول الشارع العراقى.ضمان استقرار حكومة «السودانى» يبقى مرهوناً بنجاحه فى الانفصال عن الكتلة التى تعتبره مرشحها - الإطار التنسيقى الشيعى - ما سيصعّد بالتالى من احتمالات الصدام مع هذه الكتلة.. لعل أبرزها حزب الدعوة برئاسة نورى المالكى الذى يطمح إلى إعادة سطوته على المناصب السيادية، بالإضافة إلى الأحزاب الأخرى المنضوية فى الإطار التى تنتظر نصيبها من «كعكة» السلطة، وقد بدأت بالفعل ممارسة الضغوط على «السودانى»، سواء عبر حملة أطاحت بمسئولين كبار فى المؤسسات الأمنية لمجرد عدم انتمائهم لذات العقيدة الولائية.. ثم توالت الضغوط لتشمل دفع الحكومة نحو استبعاد قرار إجراء الانتخابات المبكرة الذى سبق الاتفاق عليه من جميع الكتل السياسية.. بوادر تُنذِر بتكرار ملامح صيغة المحاصصة الطائفية التى قامت عليها الحكومات السابقة منذ 2003، على أساس تقاسم المصالح بينما العراق كان وما زال بحاجة إلى مشروع دولة ذات سيادة مستقلة وليس مشروع سلطة ونهج كتل ترى فى موارد العراق ميراثاً يُقسَّم بينها.

ضمان استمرار حكومة السودانى يبقى مرهوناً أيضاً باحتواء تيار الزعيم الشيعى مقتدى الصدر. إعلان «الصدر» الخروج من العملية السياسية قطعاً لا يعنى خروجه من المعادلة السياسية وقدرته على شحن الشارع العراقى، وهو يمتلك القدرة على ذلك، فى حال إلغاء الانتخابات المبكرة وعدم حصوله على ضمان باستقرار المشهد نسبياً.

الأمر لا يقتصر على أتباع الصدر.. لكنه يمتد إلى الشارع العراقى الذى ما زال خطر عودة انفجار الاحتجاجات على أراضيه قائماً، تحديداً وأن السودانى اعتُبر من الأسماء المرفوضة خلال انتفاضة أكتوبر 2019، لذا يبقى ترقب الشارع فى انتظار وعود السودانى ضمن خطابه الأول الذى ركز على القضايا الداخلية مثل البطالة، نقص المياه والكهرباء، محاربة الفساد.

أخطر المعضلات الأمنية التى تهدد سيادة العراق، إلى جانب الانتهاكات المسلحة من دول الإقليم لأراضيه، هى إشكالية السلاح المنفلت.

تأكيد السودانى حصر السلاح المنفلت بيد الدولة هو تصريح ظل تنفيذه واقعياً يمثل تحدياً أمام أى مسئول تسلَّم رئاسة الحكومة، ورغم أن السودانى هو مرشح كتلة تمتلك كل أحزابها أذرعاً مسلحة فإن كل محاولات هذه الميليشيات للتهدئة من أجل تقوية موقف الحكومة الجديدة هى مناورات قصيرة المدى.. إذ سرعان ما سيدفع التصارع بين هذه الأذرع إلى إعادة تبادل القصف وإطلاق صواريخ الكاتيوشا.

الكتل السياسية الولائية أعلنت عن نواياها ولم تنتظر طويلاً.. فقد بادرت السودانى برسائل أنها ستواجه ليس فقط سياسياً بسحب الثقة وإنما بعنف الميليشيات فى حال ما قررت الحكومة إرساء حكم وطنى بعيداً عن ولاءات هذه الميليشيات.

السلاح المنفلت أصبح هو الطرف الأقوى فى المعادلة ويمس هيبة وتماسك الدولة، بينما تزعم هذه الميليشيات كذباً ارتباط وجودها ببقاء قوات التحالف فى العراق.. من جهة أخرى إشارة السودانى إلى قيامه بإجراء حوار مع قوات التحالف الدولى بقيادة أمريكا لتحديد الحاجة من وجود هذه القوات قوبلت برد من السفيرة الأمريكية أن بلادها لن تنسحب من العراق فى إطار ارتباطها معه باتفاقية الإطار الاستراتيجى الموقعة عام 2008 من قبَل حكومة نورى المالكى آنذاك.. اتفاقية تنص بنودها على الاستمرار فى التعاون العسكرى، الأمنى، السياسى، ذلك بناء على طلب من الحكومة العراقية.. مؤكدة أن لدى بلادها التزاماً طويل الأمد ولن تبتعد عن المنطقة حفاظاً على مصالحها، مشددة على رغبة الولايات المتحدة البقاء فى العراق.