للتنظيمات الإرهابية قدرات كبيرة فى استغلال الأزمات، سياسية كانت أو طبيعية، فارتفاع الحرارة والهطول غير المنتظم للأمطار والعواصف الموسمية والتصحر وارتفاع مستوى البحار وجفاف المياه والاحتباس الحرارى من أهم مشكلات تغير المناخ.

ومع وجود الكوارث تتغير الاهتمامات، وتتبدل الأولويات، فقد رأينا كيف أن جائحة كورونا جعلت أولويات الدول فى معالجة آثار كورونا، ما انعكس على مكافحة الإرهاب وجعله فى ذيل الاهتمامات، والأمر نفسه عن الحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثَم تراجع الاهتمام بمكافحة الإرهاب، كما أن زيادة انعدام الأمن المائى والغذائى وأمن الطاقة نتيجة التنافس على الموارد، وما يترتب على ذلك من غياب الاستقرار وتأجج الصراع، وفَّر بيئات حاضنة للتنظيمات الإرهابية وجاذبة للنزاعات المسلحة.

وقد حاولت التنظيمات الإرهابية توظيف الاستفادة من قضية التغيرات المناخية، فأسامة بن لادن اتهم أمريكا بالتسبب فى الأزمة المناخية العالمية، كما أن حركة الشباب الصومالية حظرت استخدام الأكياس البلاستيكية فى المناطق الخاضعة لها، لتأثيرها على أحد مصادر تمويلها، والغريب أن «بوكو حرام» قتلت 110 من مزارعى الأرز فى 2020.

وفقاً لمؤشر ND-GAIN فإن القارة الأفريقية وإن كانت الأقل من حيث انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون، حيث لا تؤثر إلا بـ4% فقط، فإنها الساحة الأكبر فى تلقى آثار التغيرات المناخية، لضعف الإمكانيات، ما هيأ المناخ لتغلغل التنظيمات الإرهابية، وتصدرت ثمانى دول أفريقية كموزمبيق والسودان والنيجر قائمة الدول الأكثر تضرراً جراء التغيرات المناخية، ويفتقر 400 مليون فى جنوب الصحراء إلى مياه الشرب الأساسية، ونفس العدد يعيش تحت خط الفقر.

إن التغيرات المناخية تسهم فى خلق بيئة مناسبة لظهور التنظيمات الإرهابية وتناميها، فالأمن المائى والغذائى والطاقة وانتشار البطالة تؤدى إلى مشكلات وصراعات تؤثر على ثقة المواطنين فى الحكومات، ومع تخلى الدول عن تحقيق الرخاء الاقتصادى والاستقرار ظهر الفاعلون المسلحون بديلاً عن الدولة.

وأمامنا نموذج حركة الشباب الصومالى التى تمددت إلى كينيا وإثيوبيا، وشنت هجمات إرهابية مختلفة، كان آخرها الهجوم الأخير فى مقديشيو الذى أودى بحياة 100 قتيل و300 جريح، ويأتى الجفاف فى الصومال كأحد العوامل التى أدت إلى بيئة متردية وهشة، جعلت الإرهاب يفرض كلمته، وينجح فى عمليات التجنيد والتمدد والتعبئة.

وأيضاً تمثل منطقة بحيرة تشاد نموذجاً لمدى التأثر بالتغيرات المناخية، فالبحيرة تشكل المصدر الرئيسى للمياه العذبة بالمنطقة، ونتيجة لارتفاع الحرارة، وموجات الجفاف، نقصت المياه، ونقص المخزون السمكى، واختفت الأراضى الصالحة للزراعة، فأصبحت الدول الواقعة على البحيرة تواجه أزمة غذاء وماء، فنزح المواطنون إلى مناطق أخرى، وهو ما أسفر عن صدامات دامية بين النازحين والسكان الأصليين عجزت الحكومة عن احتوائه نتيجة الهشاشة الأمنية، واستفادت «بوكو حرام» من هجرة آلاف التشاديين إلى نيجيريا بعد موجة الجفاف، فبدأت فى استثمار الفراغ الأمنى، واجتذاب الفقراء من خلال التزويج، والوجبات الغذائية.

إن التغيرات المناخية ليست هى السبب الوحيد وراء نمو الإرهاب فى العالم، لكنها من العوامل المساعدة، بل أشارت أبحاث إلى وجود علاقة بين ارتفاع درجة الحرارة والعدوان بنسبة 10 - 20، فكل زيادة بمقدار نصف درجة يزيد من نسبة العنف، وأن الفترة من 1970- إلى 2015 شهدت زيادة درجة الحرارة فى 159 دولة، وأن 13% من معدلات الصراع بين الجماعات سببه ارتفاع درجات الحرارة.إذن، فمؤتمر المُناخ المنعقد فى شرم الشيخ يحمل على أكتافه مسئوليات مضاعفة.