المناخ وحجارة الجوع

مجدى علام

مجدى علام

كاتب صحفي

جفاف الأنهار فى أوروبا يكشف رسائل تحذيرية قديمة منحوتة على «حجارة الجوع»، ما التحذير الذى حملته هذه الرسائل؟ عادت الحجارة القديمة التى تحمل تحذيرات مروعة إلى الظهور مع سيطرة الجفاف الطويل على معظم أنحاء القارة الأوروبية، حيث تسبب الجفاف فى انخفاض مستوى عدد من الأنهار، ما كشف عن تحذير شديد من أسلافنا من فترات البؤس والشقاء.

وكشف الجفاف عما يسمى «حجارة الجوع» (بالألمانية Hungerstein)، وهى صخور فى مجرى الأنهار لا يمكن رؤيتها إلا عندما تكون مستويات المياه منخفضة للغاية، نُقشت عليها رسائل تركها الناس فى العصور السابقة تتحدث عن الكوارث التى سبّبها نقص المياه، فى تذكير صارخ بالصعوبات التى واجهوها خلال فترات الجفاف السابقة، وتضمنت تحذيرات للأجيال القادمة تفيد بوجوب التحوط لمواجهة المجاعة متى ما وصل منسوب المياه إلى مستوى تظهر فيه هذه الأحجار.

الرسائل التحذيرية التى حملتها (حجارة الجوع) يعود تاريخ أقدم نقش منها عُثر عليه فى حوض نهر إلبه (Elbe) إلى عام 1616، وهو مكتوب باللغة الألمانية، ويقول النص المكتوب على الحجر: (إذا رأيتمونى، فابكوا) ويُعد حجر الجوع هذا هو الأبرز بشكل خاص لأنه يحتوى أيضاً على تواريخ الجفاف الشديد على سطحه.

ووفقاً لدراسة أجراها فريق من علماء الآثار التشيكيين فى عام 2013 يمكن قراءة السنوات 1417 و1616 و1707 و1746 و1790 و1800 و1811 و1830 و1842 و1868 و1892 و1893 على الحجر، وهناك نقش على إحدى الصخور يقول: (ستزدهر الحياة مرة أخرى بمجرد اختفاء هذا الحجر) ويقول نقش آخر: (الشخص الذى رآنى ذات مرة بكى، ومن يرانى الآن سيبكى)، ويقول ثالث: (إذا رأيت هذا الحجر مرة أخرى فسوف تبكى)، هكذا كانت المياه ضحلة فى عام 1417.ظهور حجارة الجوع يعلن الفقر، فى الماضى كانت الأنهار إذا وصلت إلى هذه المستويات المنخفضة، فهذا يعنى الفقر والمعاناة لكثير من الناس، وتسبب الجفاف فى تدمير المحاصيل، كما أدى إلى قطع الممرات المائية التى تنقل من خلالها المواد الغذائية والإمدادات من جميع الأنواع، ثم جاءت بعد ذلك المجاعة، لذلك سُميت «حجارة الجوع»، وجاء مصدر إلهام الكلمة من نقش وُجد على أحد الحجارة يصف عام 1947 بأنه عام الجوع، فى الماضى كانت أوروبا الوسطى التى تضم أجزاء من النمسا والتشيك وألمانيا والمجر وبولندا وسويسرا تعتمد على الأراضى الخصبة على طول ضفاف النهر لإنتاج الغذاء.

وجاء مصدر إلهام الكلمة من نقش وُجد على أحد الحجارة يصف عام 1947 بأنه عام الجوع، وفى السنوات الأخيرة أصبحت ظاهرة الجفاف واحدة من أبرز علامات تغير المناخ فى وسط أوروبا.ومن بين المدن التى تكشّف فيها عدد كبير من هذه الحجارة مدينة (ديسين) التى تقع فى شمال جمهورية التشيك، بالقرب من الحدود الألمانية، حيث يلتقى نهرا إلبه وبلاوتشنيس، ويظهر ما يصل إلى 12 من هذه الأحجار على مجرى نهر إلبه لتذكير السكان المحليين بفترة صعبة فى السابق.

ويُعرض أحد حجارة الجوع فى متحف فى مدينة شونهبك الألمانية، وكان هذا الحجر يقع بالقرب من حوض ميناء نهرى، حيث شوهدت مستويات منخفضة من المياه.

وأشارت رؤية هذا الحجر إلى أن مستوى المياه كان منخفضاً جداً بحيث لا يسمح بالملاحة، وعُثر على معظم أحجار الجوع فى نهر إلبه، على الرغم من ظهورها أيضاً فى أنهار أخرى فى المنطقة، مثل نهر الراين، ونهر موميل ونهر فيزر.وتشير التحذيرات إلى أن الجفاف يؤثر حالياً على أكثر من 60% من الأراضى الأوروبية، وفقاً لمرصد الجفاف الأوروبى.

وشهدت الأنهار الرئيسية فى ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا انخفاضاً فى مستوى مياهها.بالرغم من ذلك، لم تكشف المياه المنخفضة فى مدينة مانتوفا الإيطالية عن (حجر جوع) لكن ما جرى اكتشافه فى مجرى نهر بو كان قنبلة غير منفجرة من الحرب العالمية الثانية وزنها 450 كجم.

وفى الأسابيع الأخيرة، اضطرت دول مثل فرنسا وإسبانيا إلى تقييد استهلاك المياه، وفى أجزاء من كلا البلدين اضطرت السلطات إلى قطع إمدادات المياه فى ظل ظروف معينة، وأعلنت السلطات الفرنسية فى السابع من أغسطس أن البلاد تواجه أسوأ موجة جفاف منذ بدء التسجيلات فى عام 1958، وفى ألمانيا أدى انخفاض منسوب نهر الراين، الذى يتدفق من جبال الألب السويسرية إلى بحر الشمال، إلى إجبار شركات الشحن على الإبحار مع حمل كميات مخفضة من البضائع، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء.